<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس = سامي السلامي
دمقرطة الأمم المتحدة.. إرهاصات الماضي وتحديات الحاضر
يشكل عمل منظمة الأمم المتحدة منذ نشأتها موضوع نقاش واسع وحاد، بخصوص جدوى هذه المنظمة في ظل سياسات القوى العظمى، وما مدى قدرتها على ضبط إيقاع النظام الدولي واستتباب السلم والأمن الدوليين.
وعليه، برز في بادئ الأمر تياران متعارضان بخصوص عمل هذه المنظمة، الأول جسدته المدرسة المثالية والتي رغم الانتقادات الحادة التي تلقتها بعد فشل عصبة الأمم في حفظ السلم والأمن الدوليين وذهاب البعض للحديث عن نهايتها (أي المثالية)، إلا أنها عادت وشددت على أهمية منظمة الأمم المتحدة كضامن للاستقرار على الصعيد الدولي، معتبرة أن احترام مبادئ القانون الدولي وقواعده الآمرة مسألة ملحة في طريق الوصول لحكومة فوق دولية، وذلك في إعادة إنتاج أفكارها بعدما فشلت في التنبؤ بقيام الحرب العالمية الثانية.
أما المدرسة الواقعية، فكان لها تفسير مغاير عن المثاليين يتمحور حول أهمية القوة في سياسات الدول، وسعي هذه الأخيرة إلى تحقيق توازن في القوى يحمي مصلحتها القومية وأهدافها الاستراتيجية، معتبرة القانون الدولي ومنظمة الأمم المتحدة وسيلة وليست غاية.
ومن ثم، فإن النظام الدولي نمط من العلاقات المتداخلة والمتشابكة في إطار نسق دولي، تحكمه ضوابط وموازين قوى تحدد طبيعته وتسهم في إفرازاته.. والنظام الدولي مثله مثل أي نظام اجتماعي أو سياسي ينمو وينكمش وفق التجانس الإيجابي والسلبي بين وظائفه الأربع: التكيف بين مختلف الأقطار في إطار ضوابط محددة، التكامل المبني على التعاون المتبادل والمصلحة المشتركة، حماية الأمن من أي تهديد وخطر، وتحقيق الأهداف الاستراتيجية.
وفي ظل غياب التجانس المنشود ما بين القوى العظمي أيام الحرب الباردة، وغلبة سياسات القوة الممزوجة بفلسفة ذرائعية براغماتية، فإن عمل منظمة الأمم المتحدة وجهازها السياسي الرئيسي المتمثل في مجلس الأمن شهد جمودا بفعل الاستعمال المتواتر لحق النقض «الفيتو» ما بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة قصد تعطيل مشاريع قرارات من هذا الجانب وذاك، على الرغم من التحركات الدبلوماسية لدول عدم الانحياز في أروقة الأمم المتحدة قصد استصدار توصيات عن الجمعية العامة ذات بعد أخلاقي، وأهمها: التوصية 1514 المتعلقة بـ «حق الشعوب في تقرير مصيرها»، التوصية 2131 الخاصة بـ «عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول» والتوصية رقم 36/103 التي تشير إلى عدم جواز اتخاذ التدخل الإنساني ذريعة للتدخل في شؤون الدول الداخلية. جمود الأمم المتحدة انعكس أيضا على سياسات القطبين المتصارعين، حيث أصبحت دول العالم الثالث مكبا لتصريف النزاعات عن طريق خوض حروب وكالة على أراضيها، فضلا عن انتهاك القانون الدولي من كلا القطبين والتدخل في الشؤون الداخلية للدول مع استخدام القوة في العلاقات الدولية ولنا في أزمة كوريا وحرب فيتنام وربيع براغ غير مثال على ذلك.
ومع نهاية الحرب الباردة، انغمس تيار الليبراليين الجدد في التبشير بنظام دولي جديد مبني على التعاون والتضامن وتجاوز الإطار الضيق للسيادة الوطنية، ودعم المنظمات الدولية والإقليمية في حل القضايا الخلافية والمنازعات الدولية والإقليمية، معتبرا أن انهيار الاتحاد السوفيتي سيجعل من الحروب العدوانية ذكرى من الزمن الماضي، ومؤكدا على ضرورة التدخل الإنساني قصد حماية الفرد من الخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وهنا استغلت الولايات المتحدة خلو الساحة الدولية من منافس حقيقي وشرعت في تطبيق سياساتها العدائية للهيمنة والسيطرة، عن طريق تليين العديد من القواعد الآمرة في القانون الدولي كعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية واحترام سيادة الدول، لصالح إرساء قواعد جديدة عن طريق العرف والممارسة كالتدخل الإنساني ولو لزم الأمر التحرك وفقا لبنود الفصل السابع من الميثاق الأممي.
وكان لاستخدام القوة نصيب الأسد من طرف الولايات المتحدة التي اتخذت من المادة 51 من الميثاق الأممي ذريعة لتبرير غزوها لأفغانستان خارج الشرعية الدولية تحت مسمى الدفاع الشرعي عن النفس عقب أحداث 11 شتنبر، ومن ثم ربط الصلة ما بين القاعدة والنظام العراقي وتبرير احتلال الأخير بتملكه لأسلحة دمار شامل، مستغلة غياب تعريف واضح ودقيق ضمن الميثاق الأممي للإرهاب والعدوان، باستثناء توصية الجمعية العامة رقم 3314 بخصوص العدوان والتي تبقى مقترحا يتيما بغرض القيام به أو الامتناع عنه.
وها نحن اليوم أمام العديد من الدعوات لدمقرطة هذه المنظمة على اعتبار أنها لم تفلح في حفظ السلم والأمن الدوليين سواء في ظل الثنائية القطبية أو الأحادية، وإنما أصبحت وسيلة لتكريس الفوارق بين الدول على الصعيد الدولي وشرعنة تدخلات الولايات المتحدة وحلفائها.
فتمركز حق النقض «الفيتو» بين خمس دول منذ نشأة المنظمة يضع العديد من علامات الاستفهام، علما أن الفقرة الأولى من المادة الثانية من الميثاق الأممي أكدت على التساوي في السيادة بين جميع أعضائها!!
وعليه ارتفعت الأصوات المنادية بتوسيع العضوية داخل مجلس الأمن على أساس التوزيع الجغرافي العادل لتشمل دولا كاليابان والهند والبرازيل ولما لا إنشاء آلية فيتو إقليمي، إلا أن هذا المقترح يتخبط بمعيقات قانونية وأخرى سياسية، فكيف لنا أن نتصور قبول الدول الخمس الدائمة العضوية بمراجعة الميثاق الأممي، ووضع تعريف واضح ودقيق لمفهومي العدوان والإرهاب وتوسيع العضوية، في حين أنه يخدم مصالحها وفق صيغته الحالية، علما أن المادة 108 من الميثاق ربطت أي تعديل للميثاق بقبول الدول الخمس الدائمة العضوية.
ومن ثم، كيف للولايات المتحدة أن تسمح بتمثيل البرازيل كعضو دائم في مجلس الأمن وهي مازالت تعتبر نفس البلد ضمن حديقتها الخلفية؟ وكيف للصين أن تقبل باليابان والهند كعضوين دائمين مع ما يجمعها بهما من نزاعات حول «جزر دياو يو» (سينكاكو باليابانية) ومنطقة التبت؟
إن إصلاح الأمم المتحدة لن يكون كذلك إلا بتقوية أجهزتها القضائية وبالضبط محكمة العدل الدولية كجهاز قضائي للفصل في المنازعات بين الدول، وتمكينها من دراسة جميع النزاعات التي تهم الشق القانوني، عن طريق وضع ضوابط تمنع مجلس الأمن من سحب صلاحيات نفس المحكمة، وذلك لعدم تكرار سيناريو أزمة لوكربي حيث خلط المجلس الأوراق السياسية بالقانونية من خلال قراريه 731 و748 وحول دراسة النزاع تحت الباب السابع ما جرد المحكمة من صلاحياتها التي تمارسها تحت الباب السادس.
جميل أن تطالب دول الجنوب بإصلاح الأمم المتحدة وتدعو لنظام اقتصادي جديد مبني على التوزيع العادل للثروات ما بين الشمال والجنوب والقطع مع السياسات الامبريالية الاستغلالية، إلا أن مثل هذه المطالب لن تتحقق إلا بقيام نفس الدول بإصلاحات داخلية تهم أنظمتها الاقتصادية والاجتماعية مع تبني خطط واستراتيجيات واضحة لتمكينها من امتلاك قراراتها السيادة دون أي ضغوطات خارجية، ومن ثم التوجه صوب التكتل ونهج التعاون جنوب ـ جنوب.
المنتظم الدولي على صفيح ساخن، ومطالب القوى الصاعدة بالعضوية في مجلس الأمن أصبح أمرا ملحا لا مفر منه، فنموذج التنمية الغربي أصيب بالعياء ولم يعد قادرا على إعادة إنتاج نفسه كالسابق، والتوجه صوب تعدد الأطراف في حل القضايا الدولية أصبح مطلبا ملحا، فإما التجاوب وتغليب المصلحة المشتركة أو أننا سنقف لا محالة على أعتاب الهاوية.
ساحة النقاش