<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس - المصطفى مورادي
من يدفع للعازف يختار اللحن
تعرف الساحة الثقافية المغربية عملية اختراق حقيقية تقوم بها منظمات تابعة لإمارات يحكمها شيوخ ينتمون للقرون الوسطى، شكلا ومضمونا. لذلك شخصيا أصاب بالغثيان، عندما أجد منظمة إماراتية أو كويتية أو قطرية تنظم في المغرب ندوة حول الديمقراطية أو حقوق الإنسان، مع أن هذه الإمارات «القروسطوية» ماتزال تعتمد أنظمة حقيقية للعبودية، حيث لا يحق لأي إنسان الحصول على صفة المواطنة، لكونه محض «بدون»، وطبعا تستدعي «باحثين» يتزاحمون عندما تنتهي الندوة في طابور طويل للحصول على ألفين أو ثلاثة آلاف درهم..
فقطر والكويت والإمارات والبحرين وجدت في الاستقرار السياسي للمغرب، وكذا لامبالاة القيمين على الشأن الروحي والثقافي، مناسبة لخلق مراكز بحث، استقطبوا إليها «مثقفين» و«باحثين» يجمعهم التوجس من الثقافة الغربية «الاستعمارية.. كذا»، لكنهم لا يترددون في الصمت المنظم على تجاوزات هذه الأنظمة المستبدة والمتخلفة.. وكم هو عجيب وغريب، أن تجد أن مشيخة كقطر تستعبد عمالا هنديين وباكستانيين لبناء ملاعب الكرة، ومشيخة كالإمارات ترفض إعطاء صفة المواطنة لعدد كبير من سكانها المسمين «البدون»، هما ذاتهما المشيختان اللتان لا تترددان في تمويل ندوات حول «حقوق الإنسان في الإسلام» أو «الخصوصية والعولمة»، وسيجدان، بالضرورة، كتابا ومثقفين وباحثين من بني جلدتنا، يكتبون ويتدخلون بالدولار لإرضائهم. والأكثر عجبا هو أن نجد من ضمن هؤلاء، من هو مقتنع بكون الفرانكفونيين والأنكلوفويين هم عملاء وخونة للاستعمار، بينما يجدون في «عمالتهم» لقطر والإمارات والبحرين وتركيا غولن وأردوغان معا، قمة النضال والجهاد للدفاع عن خصوصية هوياتية، بل وتجده يطبع الكتاب تلو الكتاب، بكلام «قل ما شئت»، لأن الناشر سخي، يسهل إرضاؤه.. تماما كما تفعل أية «غانية» مع «سيدها» المؤقت..
فالاسترزاق بالثقافة لا يتوقف عند المتهافتين على التدخل في ندوات والكتابة في مجلات البدو هنا في المغرب، بل يظهر أيضا عند بعض محترفي النقد والمتطفلين والمتطفلات على الكتابة الإبداعية، والذين يتهافتون لنشر ما اقترفوه في حق الإبداع في مجلات خليجية لا يقرؤها أحد، فقط لكونها تعوض أصحابها بالعملة الصعبة، وهؤلاء، للإشارة، لا يترددون كلما أتيحت لهم الفرصة، في لعن الساحة الثقافية المغربية، والإعلان عن موت المثقف، مع أنهم المسؤولون الأوائل عما يلعنون وينعون.
إن مشكلة مشهدنا الثقافي اليوم، هي غياب مشروع مجتمعي يدفع القيمين على الشأن الثقافي بالمعنى العام، سواء التربوي أو الروحي أو الفني، يضعون استراتيجيات واضحة لهندسة شخصية المغربي المنتمي لعصره، وفي الوقت نفسه المتجذر في أصوله. فالواضع للسياسة التعليمية يرمي إلى ترسيخ التعليم التقني، في تفاضل واضح، يعطي للتقنوقراط مكانة الرياسة بتعبير الأقدمين في المجتمع، وواضع السياسة الدينية يرمي إلى ترسيخ الثقافة الصوفية بجذورها «الجنيدية»، وواضع السياسات الثقافية يرمي إلى ترسيخ ثقافة غربية.. ولأن كل هذه السياسات قد تم الشروع فيها منذ عقد، فإن نتائجها المتناقضة والمتنافرة بدأت تظهر في شخصية المغربي، «سروال الدجين والحجاب»، «رنة القرآن الكريم في هاتف صاحبه محتال أو صاحبته ساقطة»، «مغادرة العمل، وهو عبادة، وقت الظهيرة لتناول الغداء بحجة صلاة الظهر»، «الذهاب للحج لنيل ثقة الناخبين في مشهد حزبي غير فاضل»... وهذه الازدواجية خطيرة جدا، وتحتاج لدراسات وأبحاث سوسيولوجية وسيكولوجية لفهم لماذا المغربي اليوم يعتمد انتقائية كاشفة في الانتقال من الحداثة إلى التقليد.. إن مشهدنا الثقافي اليوم لم يحسم في اختياراته، فلا هو بالأصيل ولا هو بالمعاصر، بل إن حتى هذين المفهومين، أضحيا موضوع تجاذب حزبي!!
بينما العالم الحر يعكس المشهد الثقافي تعددا صحيا للمصالح والطموحات الطبيعية في نيل الامتيازات لدى الفئات المختلفة في المجتمع. لذلك ففي مجتمع كهذا، متعدد الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها، يكون تمركز السياسة الثقافية في فئة حزبية معطى مستهجنا ومرفوضا، وأن يتموقع حزب ما أو ائتلاف حزبي في المعارضة، فهذا لأنه يقدم بدائل «تدعي الصلاحية» بلغة هابرماس، وبين الادعاء كإمكان وتحقق الصلاحية، تلعب النخب الحزبية ومؤسسات البحث والتفكير والتخطيط، التابعة لهذا الحزب، دورا محوريا في صياغة خطاب يلقى القبول الواسع. وفي هذا المناخ السليم، يعتبر التموقع في المعارضة اختيارا غير مخيف، إذ هو مناسبة مهمة لتجديد المقولات والخطاب والنخب أيضا، بما يسمح للعقول الشابة بتولي المسؤولية الحزبية في إطار حكومة ظل، فيما يوثر الشيوخ التفرغ لأعمال أخرى تكوينية، من قبيل إلقاء المحاضرات وإجراء الزيارات للمواقع الجامعية.. وكتابة المذكرات وغيرها من أعمال التقاعد الإيجابي.
ساحة النقاش