<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس = محمد الأشهب
كي لا يكون الحوار الأوروبي ـ العربي ساقطا
استفاق الاتحاد الأوروبي، بعد صدمة الحادث الإرهابي في باريس ومخططات شن هجمات في بلجيكا، على واقع يتمثل في ضآلة مستويات التنسيق والتعاون مع الدول العربية وتركيا. وشرع في غضون ذلك في البحث في سبل تعزيز أنظمة تبادل المعلومات والخبرات، وإقرار سجلات جماعية بالقادمين أو المغادرين للفضاء الأوروبي عبر الجو.
فيما برزت في سياق متصل مسألة غياب التواصل مع الجاليات المتحدرة من أصول عربية وإسلامية، والبحث في خطة بديلة للاستفادة من مجالات التواصل الاجتماعي باللغة العربية تحديدا، لتقريب الأفكار والبرامج ومنهجيات استئصال الظاهرة الإرهابية، ما يترجم الإحساس بنوع من التقصير إزاء متطلبات الاندماج وضرورات فهم الخصوصيات الثقافية لمكونات الجالية المهاجرة، على مختلف مشاربها وتنوعها.
بيد أن تنامي القلق من ظاهرة الاستقطاب «الجهادي» لم يكن لها أن تتخذ هذا البعد إلا في ضوء التوقف على حقائق لافتة ومقلقة. من بينها أن الكثير من المتطوعين للحرب في سوريا والعراق حين لم تكن هناك حواجز أمام عبورهم وتنقلاتهم، وخصوصا حملة الجنسيات الأوروبية، أو الأجانب الذين اعتنقوا الإسلام، وفق منظور خاطئ لماهية العقيدة السمحاء، باتوا يشكلون اليوم تهديدا مباشرا للدول الأوروبية، على خلفية ارتباطهم بتنظيمات إرهابية أكثر تطرفا وعنفا.
لكن التسليم بأن قاعدة الاستهداف، لا تفرق بين الأديان والأجناس والأعراق، يختزل مسافة الطريق، وصولا إلى قناعات مشتركة، بأن معاناة الدول العربية والإسلامية من الإعصار الإرهابي، أكبر منها في أي منطقة أخرى، وطالما أن الإرهاب مدان بكل اللغات والتوصيفات، فإن أخطره الاستسلام أمام إرهاب الدولة الذي يجسده الكيان الإسرائيلي، إذ يشعل حرائقه في الأرض والزرع، ولا يبالي بأي معايير قانونية أو أخلاقية.
لا يتعين الاستهانة في هذا النطاق بالتحول الذي بدأ يطرأ على النظرة الأوروبية إلى الصراع العربي ـ الإسرائيلي الذي بلغ مأزقا عويصا، لم تنفع في حلحلته كافة قرارات الشرعية الدولية ونداءات محبي السلام والعدل، ذلك أن التطور المتمثل في اعتراف برلمانات دول أوروبية بالدولة الفلسطينية، يعتبر مقدمة مشجعة، من شأنها أن تدفع المجتمع الدولي إلى معاودة النظر في أزمة الشرق الأوسط، باعتباره أخطر بؤر توتر، كان لها مضاعفات واسعة النطاق في تلغيم الأجواء، ولجوء تنظيمات إرهابية إلى استغلال الموقف لتسويق مقولة «الجهاد» الذي وجه رماحه إلى أبناء العروبة والإسلام.
باتصال مع هذه الأزمة، تعاني دول عربية، مثل ليبيا والعراق واليمن وسوريا وغيرها من تداعيات أزمات مستعصية، غذتها نزعات التناحرات الداخلية والحروب المذهبية والطائفية، ما يساعد في إيجاد المراتع الخصبة التي تنشأ فيها الظاهرة الإرهابية وتترعرع وتتمدد.
الأكيد أن من دون الالتفات إلى هذه الحرائق الملتهبة، يصعب قطع دابر الإرهاب واجتثاث منابعه، ذلك أن هذه الأزمات ساعدت في تفريخ تنظيمات وميليشيات وفرق اغتيالات، خارجة عن القانون، يصفي بعضها بعضها، بينما شجعت فوضى السلاح المستشرية في أسواق لم تعد سوداء، وإنما هي علنية وذات عناوين معلومة، على استخدام منطق القوة والتهديدات.
وإذا كانت بعض العواصم الغربية أسهمت في دعم حراك ما يعرف بالربيع العربي، فإن ما آل إليه من تداعيات سلبية، يلزمها، في أقل مقدار، دعم جهود الانتقال الديمقراطي، ومع الإقرار بأن لا مسؤولية لها في انزلاق الأوضاع في بعض الأقطار إلى حافة التدهور والفشل والإفلاس، فإن المخاطر التي قد تترتب على استمرار هذه الأوضاع لن تنحصر في حدود الدول المعنية، بل قد تتعداها إلى آفاق أخرى.
ثمة تجربة في هذا النطاق، ارتبطت بغياب الأمن والاستقرار وفرص التنمية في بلدان الساحل الإفريقي، أدت ضمن مضاعفاتها إلى تنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية وتجارة تهريب الأسلحة والبضائع وأشكال الجريمة المنظمة، وليس هناك ما يحول دون انتقال العدوى إلى الظاهرة الإرهابية التي تبحث عن ملاذات نشر سمومها وعداءاتها. على أن غياب التنمية المتكافئة ومحدودية منطق المساعدة في التنمية، إن كان من بين مسببات الهجرة، فإن أنماط الإساءة المتعمدة للدين الإسلامي، قد تجلب بدورها ظواهر أشد خطورة تتوالد من رحم غياب الأمن والاستقرار، وقبل التفكير في بناء حوار عربي ـ أوروبي جديد، تشارك فيه تركيا، يتعين التفكير في وسائل عقلانية للحد من موجة الكراهية والعنصرية، خصوصا حين تقترب إلى المحظورات.
دليل ذلك أن موجة التظاهرات المنددة بالرسوم المسيئة إلى نبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام، امتدت إلى آسيا وإفريقيا والعالم العربي، لأن هناك من يصر على معاودة إحياء الحروب الدينية التي تصور العالم أنه وضعها إلى الخلف، لكن استشعار المخاطر أصبح هاجسا مشتركا بين العرب والدول الغربية، فلا أقل من تبديد بعض عناصره الاستفزازية، حتى يكون الحوار قائما على أسس الاحترام ونبذ مظاهر الاستفزاز.
وما بين المقاربات الأمنية والإنمائية والثقافية والتربوية والسياسية، هناك تداخل وتشابك لا محيد من بلورته عبر رؤية شمولية للمشاكل والحلول أيضا.
ساحة النقاش