<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
المساء = عبد الله الدامون
اختصاصنا تضييع الفرص (2) .. ما بعد وادي المخازن
العدد :2576 - 11/01/2015
معركة وادي المخازن، ربما هي العبارة التي سمعها التلاميذ المغاربة أكثر من غيرها؛ وفي كل امتحان في مادة التاريخ من الصعب ألا تعثر على سؤال يقول: متى وقعت معركة وادي المخازن؟ فيجيب التلاميذ «النبغاء» بأنها وقعت سنة 1578، ثم تنتهي الحكاية.
معركة وادي المخازن غيرت التاريخ، بل غيرت حتى الجغرافيا، وهي من الحروب النادرة التي نتج عنها الإلغاء التام للعدو من الخريطة، حيث إن البرتغال، التي كانت تحكم مناطق واسعة من العالم، لم يعد لها وجود بعد المعركة، وتحولت من بلد قوي وممتد الأطراف إلى مجرد إقليم تابع للعرش الإسباني.
الحروب لا تنتج من فراغ، إذ تكون لها أسباب مباشرة وغير مباشرة، وأسباب واضحة وأخرى غامضة، وأسباب اطلع عليها المؤرخون وأخرى بقيت في غياهب النسيان أو التجاهل.
الأسباب المباشرة لمعركة وادي المخازن هي لجوء المتوكل إلى ملك البرتغال، دون سيباستيان، للاستقواء به على إخوته الذين تنازع معهم على السلطة، فرأى أن يمنح مزيدا من الثغور المغربية للبرتغال، وامتيازات كثيرة ظلت طي الكتمان.
لكن خلف هذا التفسير البسيط والسريع، هناك أشياء كثيرة لا يتعلمها أبناؤنا في المدارس، بل لا يعرفها حتى الكبار الذين تعلموا؛ فقبل عشر سنوات بالضبط من معركة وادي المخازن كانت إسبانيا، التي نشأت على أنقاض الدولة الأندلسية، تغلي بثورات الأندلسيين المقهورين، الذين صار يُطلق عليهم اسم «الموريسكيين»؛ وفي سنة 1568 حدثت الثورة الكبرى لموريسكيي إسبانيا، إلى درجة أن المؤرخين المنصفين يُجمعون على أن تلك الثورة العارمة، لو كانت وجدت قليلا من الدعم من جانب البلدان الإسلامية لتغير وجه التاريخ، لكن الحال أنها أُجهضت، وظل قلق إسبانيا والبرتغال قائما من ثورات الموريسكيين ومن إمكانية وصول أية مساعدة إليهم من المغرب أو من السلطنة العثمانية، فكان الهاجس الأكبر هو احتلال المغرب وتحييد أية محاولة لمساعدة الموريسكيين، كما حدث زمن المرابطين والموحدين. لهذا السبب، شارك في معركة وادي المخازن موريسكيون كثيرون جدا، وكثيرون منهم جاؤوا من شبه الجزيرة الإيبيرية، وكانوا يعتقدون أن النصر فيها سيعيد إليهم أمل بناء دولتهم المنهارة في الأندلس، بعد قرابة مائة عام على سقوطها.
في معركة وادي المخازن، حدث تحالف فريد بين السلطان السعدي وبين السلطان العثماني. ورغم أن المغرب لم يخضع يوما للإمبراطورية العثمانية، فإنه وضع يده في يد العثمانيين، وكانت معركة وادي المخازن قضية مصيرية لكل الأطراف. تلك المعركة غيرت معالم جزء من أوربا والعالم، فاختفى العرش البرتغالي وألحقت البرتغال بإسبانيا، وانقرضت العائلة الملكية في البرتغال، وضعفت المستعمرات البرتغالية في العالم، وجاء رُسل البلدان الأوربية يطلبون ود المغرب الذي تحول إلى عنصر فاعل بقوة في الأحداث العالمية.
لكن، في تفاصيل هذا الانتصار كان يكمُن الشيطان؛ فبعد الانتصار الباهر اكتشف الأندلسيون أنه لا يوجد في أجندة الانتصار شيء يسمى العودة إلى الأندلس، وقيل لهم إنه إذا كان لا بد لهم من وطن بديل فليبحثوا عنه في مكان آخر. هكذا تفرقوا في أصقاع الأرض، وتوجهت مجموعات كبيرة من المقاتلين الأندلسيين صوب جنوب الصحراء، فمات كثيرون منهم جوعا وعطشا ومرضا، أو خلال القتال مع القبائل المحلية.
وصل الموريسكيون حتى أصقاع إفريقيا، ولايزال أحفادهم هناك يحملون اليوم اسم «الألارْما»، لأنهم عادة ما كانوا يصرخون بعبارة «آلارْما»، ومعناها بالإسبانية «إلى السلاح»، عندما يتعرضون لهجومٍ، لأن مشكلة الأندلسيين أنهم كانوا يبدون نصارى بين المسلمين، وكانوا مسلمين بالنسبة إلى النصارى، وهذا منتهى الغبن.
الموريسكيون أدوا ثمن أحلامهم بالدم والمعاناة. لكن وصولهم إلى تلك الأصقاع، حمل الكثير من الذهب إلى المركز، فصار السلطان أحمد يحمل لقب المنصور لأنه انتصر في معركة وادي المخازن، وصار يحمل أيضا لقب «الذهبي» بفضل ذهب وثروات الصحراء.
انتصار معركة وادي المخازن تبخر جنوبا عوض أن يكبر شمالا. لقد غرق الانتصار في الذهب عوض أن يبني المستقبل، وكان بإمكان المغرب، الذي ألغى دولة كاملة اسمها البرتغال، أن يغير خريطة شبه الجزيرة الإيبيرية ويحرر كل الثغور المغربية المحتلة وصناعة مستقبل مختلف تماما.
لكن الغريب أن سبتة، التي كانت البرتغال تحتلها قبل المعركة، لم يستطع المغرب تحريرها رغم الانتصار الباهر على البلد المحتل. والغريب أن مكان المعركة يبعد بأقل من مائة كيلومتر عن سبتة. بعد سنتين من المعركة، وبالضبط سنة 1580، قامت إسبانيا بإلحاق سبتة بمستعمراتها، لأن البرتغال لم تعد موجودة، وبقيت الكثير من الثغور المغربية الأخرى محتلة، وكأن معركة وادي المخازن لم تكن سوى وهم كبير.
من يقرؤون التاريخ أكيد أنهم سمعوا بحالة مماثلة مع مدينة مغربية أخرى اسمها مليلية، التي كان من الممكن تحريرها بسهولة بعد الانتصار الباهر في معركة «أنوال».. وتلك حكاية الأسبوع المقبل.
ساحة النقاش