<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس = حسن البصري
السائح الفاضح
لازال شرطيا المرور لمدينة طانطان رهن الاعتقال، بعد ظهورهما في شريط مصور نشره سائح إسباني يدعى «كوستافو» على موقع «يوتوب» وهما يتسلمان منه رشوة حددت في خمسين درهما. ولأن الشريط انتشر بشكل واسع وأصبح مادة إعلامية ليس فقط في المغرب وإسبانيا بل في كل ربوع العالم، فإن الوضع يجعلنا أمام قناصة جدد يجوبون البلاد طولا وعرضا بحثا عن كائنات أمنية غير قادرة على الصمود أمام الدرهم الأبيض الذي يرمي صاحبه في المعتقل الأسود.
«كوستافو» سائح إسباني ركب دراجته النارية وزرع في خوذته كاميرا خفية، مكنته من تنظيم اختبار في مادة «التربية الوطنية» لكل رجال الأمن والدرك الملكي على امتداد رحلته من طنجة إلى العيون، لم يكن الفتى المنحدر من غارسيا يرغب في الاستمتاع برمال الصحراء بل كانت متعته الكبرى اصطياد أبسط كتائب الأمن وأصغرها رتبة، والتأكيد على أن مذكرة تخليق وتعزيز آليات النزاهة والاستقامة لا يمكن تنزيلها على أرض الواقع إلا برفع الأجور وتحسين الوضع الاجتماعي للقوات الأمنية بكل أصنافها وتحصين البشر ضد الفساد.
قصة شرطي طانطان الذي طلب من كوستافو هدية وكشف له عن تتبعه للدوري الإسباني، والذي وجد نفسه مضطرا لتقمص دور البقال، حين «رد الصرف» للراشي، وردد في قرارة نفسه عبارة «الله يخلف» وكأنه بصدد القيام بمعاملة تجارية، بل وكان على وشك تأجيل منح الصرف إلى ما بعد رحلة عودة بدأت من مخيم اكديم إيزيك في ضواحي العيون، إذ تعرض هناك لهجوم من انفصاليي الداخل نتج عنه صمم تام في أذنه اليسرى، حيث قضى فترة في المستشفى قبل أن ينتقل إلى مسقط رأسه في بوزنيقة، لكن مشاكل عائلية بين زوجته ووالدته دفعته إلى العودة رفقة زوجته إلى الصحراء، واختار الابتعاد عن بؤرة التوتر العائلي بمئات الكيلومترات كي لا يظل شرطي مرور في البيت ينظم السير وينجز محاضر الحوادث الأسرية.
ولأن وراء كل حدث عظيم امرأة، فإن زوجة الشرطي ضحية كوستافو، كانت وراء مغادرته العش العائلي، والسفر إلى مدينة العبور بعيدا عن غارات الحماة التي كانت تعتبرها سر النزاع الذي لا ينتهي، هناك استأجر الشرطي الهارب من كيد النسا بيتا بسيطا آمنه من خوف ووجد في رفاق معركة كديم إزيك من أطعمه من جوع، بعد أن قرر قطع العلاقات الدبلوماسية مع العائلة وسحب زوجته واستدعائها للالتحاق بطانطان.
ولأنه يعاني من عاهة على مستوى حاسة السمع، فإن الشرطي الغاضب لم ينصت لنصائح بعض أفراد عائلته الذين حذروه من الهروب إلى الجنوب، وطلبوا منه توجيه طلب الصفح لوالدته لأن الجنة تحت أقدام الأمهات، إلا أن الغضب وضعف السمع حالا دون تحكيم المنطق، وكأنه يضرب موعدا مع القناص كوستافو في مدخل طانطان.
بعد السياحة الجنسية، ظهرت سياحة من نوع آخر تريد أن تكشف للعالم حجم الفساد المستشري في الأجهزة الأمنية، فالسائح الإسباني صور شريطا وثائقيا دون الحاجة لترخيص من المركز السينمائي، نشره في فاتح دجنبر الماضي يؤرخ لمرحلة سيدي إيفني العيون، حيث قام بجولة ميدانية في مدينة طانطان للبحث عن فندق وهو يصور مشاهد تؤكد استعداد كثير من الشباب لخدمة الآخر ووعد بالكشف عن صيده في المراحل الأخرى.
هناك أكثر من سائح أجنبي يجد متعة في تصوير مشاهد إرشاء، فقد قام بونييه الفرنسي بتصوير شرطي في مراكش، وقام سائح سعودي بتصوير لقطات من «تدويرة» لجمركي، قبل أن تقرر مديرية الجمارك منح الديوانيين المشتغلين في المعابر الحدودية بذلا بدون جيوب، لكن الرشوة الأكثر سخرية هي التي كشف عنها سائح ألماني حين أكد أن دركيا منحه رقم هاتفه المحمول وطلب منه تعبئته بما تيسر من وحدات هاتفية قبل منتصف الليل للاستفادة من العرض المضاعف، لكن لا أحد من هؤلاء توبع بتهمة المشاركة، لأن القاعدة القانونية تضع الراشي والمرتشي في نفس سلة الإدانة.
كان السائح إلى زمن قريب يهوى جمع الصور والبطاقات البريدية، قبل أن تتغير المفاهيم ويصبح مخرجا يصور مشاهد من فساد الطرقات، لأنه يعلم أن «القهوة» في الأعراف المغربية «مشروب» مباح، لكنها قد تتحول إلى قهوة سوداء لغة واصطلاحا.
ساحة النقاش