<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
فلاش بريس = محمد الأشهب
من الاستفزاز ما يثير المشاعر
إذا كان من شيء يحسب لفائدة رئيس الديبلوماسية المغربية صلاح الدين مزوار، فإنه نأى بنفسه وببلاده عن الانخراط في ردود فعل لا ضرورة لها. ذلك أن التضامن مع مجلة «شارلي إيبدو» وكل الأبرياء الذين استهدفتهم الهجمات الإرهابية المقيتة في «قلب العاصمة الفرنسية النابض بقيم الحرية واحترام التعددية والاختلاف، إذ أن إبداء الرأي، من دون تعريض المشاعر إلى استفزازات، يظل فوق أي اعتبار لكونه مسألة مبدئية لا تحتمل أي تأخير أو تأويل.
غير أن الحرية ذات الترسانة القوية بقيم الانفتاح والتعايش والتسامح، لا يمكن تقييدها، أو تجييرها لفائدة دين أو جماعة أو فكر محدد. فهي بالقدر الذي تكون فيه مشاعة بين الجميع، بالقدر ذاته الذي تنتعش في ظل احترام مشاعر الجميع. وإذا كان مستساغا أن الصدمة المهولة مست أسس القيم النبيلة المتمثلة في حرية الرأي والتعبير، فإنه لا ينبغي استغلالها، تحت أي ذريعة، لتكريس أي نوع من الاستفزاز أو الانغلاق.
لعل الأكثر مدعاة للقلق هو معاودة إنتاج أفكار أو تخريجات عدائية واحتقارية، كانت من بين الأسباب التي أدت إلى تنامي بعض أوجه الظاهرة الإرهابية، وإذ تصنف أي محاولات لإسكات الأصوات المتحررة عبر استخدام القتل وطلقات الرصاص، ضمن الأعمال الإرهابية المرفوضة والمدانة، فلا أقل من الارتقاء بأشكال التضامن إلى المصاف التي تمجد العقل وتحترم كرامة الإنسان، وفي مقدمتها حرية الاعتقاد الذي أخرج الإنسانية جمعاء من الظلمات إلى النور. بمعنى آخر فإن تجنب الاستفزاز، أيا كان مبعثه، يبقى عين العقل الذي لا يخطئ الطريق، والعالم كله على اختلاف دياناته وأجناسه وأعراقه مهتم بشيء واحد هو العمل من أجل استئصال منابع التطرف والإرهاب، والتحدي بحزم لهذا الانفلات الذي يستبيح هدر كرامة الإنسان.
لقد صنف المسؤولون والخبراء وعلماء الاجتماع وراصدو حركة التاريخ تنامي الظاهرة الإرهابية في أسباب موضوعية وذاتية، لا يكاد يخلو منها أي مجتمع في العصر الحديث، وهي إن كانت تنتعش في رحم الإقصاء وإلغاء حرية الآخر وتكفير المجتمعات والتحول إلى سيف سلط على الرقاب خارج أحكام القانون وقواعد الحياة ونواميس التطور والتعايش. فإن البحث في خلفياتها يؤرق كل المجتمعات، ولا يعني رسوخ الاعتقاد باستخدام الأفكار المتخلفة والتوجهات المتطرفة والطروحات العدائية، سوى أن تطهير الفضاءات التي يمكن أن تنفذ منها هذه الآفة الكونية يفرض نفسه قبل أي مقاربات أخرى، بل إن انتفاء الأسباب جزء من المقاربة الشاملة المطلوبة.
لقد كان المسؤولون الأمنيون والقضائيون في الاتحاد الأوروبي اهتدوا إلى تلامس مخاطر الاستخدام السيء لوسائط الاتصال الاجتماعي، بحكم أنها استبدلت بدور المساجد لدى المنظرين المتطرفين، وتحولت إلى حقول تجارب ومختبرات في صناعة الأسلحة والمتفجرات، إلى غير ذلك من آليات الوساطات مع التنظيمات المسلحة، فإن هناك مخاطر أخرى، تتمثل في الإصرار على الإساءة إلى الرموز الدينية والمعتقدات ومشاعر المؤمنين، ولم تكن الرسوم المسيئة للرسول الكريم محمد عليه السلام منفصلة عن تغذية مشاعر سلبية غير مقبولة.
بصيغة أخرى فهذه الرسوم التي أقرت منابر إعلامية بارزة رفض التعاطي معها لاحقا انطلاقا من شعورها بالمسؤولية، وقطع الطريق على الباحثين عن المبررات لممارسة العنف والإرهاب، تعتبر من بين العوامل التي تؤجج الصورة، وإذا كان أخطر منها يكمن في نشر خطابات تضليلية وتدميرية، لأن عقيدة الإيمان لا تتزحزح لمجرد نشر رسوم كاريكاتورية، كان أجدى الابتعاد عنها، فإن مواجهة الخطاب الذي ينزع إلى زرع الأحقاد والكراهية وأنماط العنصرية، يظل في مقدمة التحديات، لأن الأصل في أي فعل هو الانطلاق من فكرة، وكلما كانت الأفكار هدامة وتخريبية كانت الأضرار أكثر دمارا.
فرنسا اليوم في حاجة إلى المواساة والتضامن، فهي ليست وحدها في قلب المعركة المفتوحة على كل الاحتمالات، وإذا كانت المسيرة الغاضبة التي جابت شوارعها اصطفت تحت لواء الوحدة الوطنية التي تحتم تضافر كل الجهود، وعدم الاستسلام لموجة الرعب الذي يضرب في أي مكان، طالما هناك من يعتنقون قناعات مخيفة وخطيرة بهذا المعنى، فلا أقل من أن ينسحب مفهوم الوحدة على احترام المعتقدات.
إن محاولات الإساءة إلى الرسول الكريم، ليست في مثل سلوكات تبدو مغايرة لأنماط الدولة المدنية في فرنسا، من قبيل ارتداء حجاب النساء، أو غير ذلك. فهذه ملابسات يمكن التعاطي معها بقدر من المرونة والتفهم، من دون الإخلال بمبادئ الدولة الفرنسية المضيفة، غير أن من يقوم بهذه الممارسات أناس يعيشون في فرنسا ويحملون الجنسية الفرنسية، تماما كما أن الإرهابيين المهووسين الذين نفذوا هجماتهم المدانة، فرنسيون أنجبتهم نفس الثقافة والبيئة الحاضنة، لكن كل ذلك لا يبرر بأي شكل من الأشكال استفزاز المشاعر الدينية للأقلية أو الأكثرية.
وكل التضامن مع حرية التعبير التي تضيء الطريق في مواجهة تتر كوابيس الظلام الإرهابي.
ساحة النقاش