فلاش بريس= رشيد نيني
بيننا الأكشاك
كنا نتوقع أن يقابل خبر ارتفاع مبيعات «الأخبار» برسم الأشهر الستة الأخيرة، وكونها شكلت استثناء في سوق للصحف تعرف تراجعا شاملا، بالازدراء، لكننا لم نكن نتوقع أن يقابل هذا الخبر بالتشكيك.
فقد سبق لموقع 360 بالفرنسية أن أثار موضوع تراجع مبيعات الصحف، في التقرير الأخير لمكتب التحقق من الانتشار «OJD». وعوض أن يكون الصحافي فهد العراقي، الذي يمنحه الموقع راتب وزير، نزيها ويشير في مقاله إلى أن «الأخبار» كانت الجريدة الوحيدة في المغرب التي عرفت مبيعاتها ارتفاعا بنسبة أربعة بالمائة، فضل أن يكتب أن جميع الصحف عرفت نزولا في مبيعاتها.
وتبعته في ذلك مواقع احترفت أن تتبع جيلالة بالنافخ بعض أصحابها جاؤوا بهم من إيطاليا حيث كانوا مهاجرين سريين لا يملكون عشاء ليلة لكي يأكلوا بأفواههم الثوم، وطفقوا يرددون مثل ببغاوات الرواية المضللة التي تتحدث عن نزول شامل في مبيعات الجرائد. وقصة هؤلاء النصابين الإلكترونيين سنأتي على حكايتها بالتفصيل والوثائق، حتى يعرف الرأي العام من هم ومن يأكل الثوم بأفواههم ويرسل إليهم المقالات الجاهزة لكي يوقعوها بأسمائهم.
وأن تشكك مواقع إلكترونية تقتات على ما تنشره الصحافة الورقية يوميا، في كون «الأخبار» حققت الاستثناء بارتفاع مبيعاتها برسم الأشهر الستة الأخيرة في سوق مشمولة بالتراجع، فهذا أمر عادي مرده الحسد المرضي. أما أن تنضم جريدة «التجديد» الناطقة باسم الحزب الحاكم، إلى جوقة المشككين في صحة أرقام مبيعات «الأخبار»، فهذا يعني أن رئيس الحكومة غير راض عن الشعبية التي أصبحت تحظى بها «الأخبار» لدى الرأي العام.
وهذا ليس سرا، فقد أفصح عنه رئيس الحكومة علانية في أكثر من مهرجان خطابي.
والحقيقة أنني ما كنت لأرد على ما نشره لسان حال حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي للحزب الحاكم، لولا أن ما نشرته من اتهامات وقذف وصل إلى حدود التشكيك في أرقام مبيعات «الأخبار»، واتهام الشركة الموزعة للجريدة بتزوير الأرقام للتدليس على مؤسسة «لوجيدي» للتحقق من الانتشار، والادعاء بأن «الأخبار» تستفيد من الدعم العمومي، والحال أن المدير السابق لجريدة «التجديد» التي نشرت الاتهام، الذي ليس شخصا آخر غير الوزير الحالي للاتصال الذي يصرف الدعم للجرائد، يعرف أن «الأخبار» لم تتلق منذ صدورها درهما واحدا من الدعم العمومي، فلماذا الكذب على الرأي العام يا دعاة الأخلاق الحميدة في حركة التوحيد والإصلاح؟
أن تتهمنا جريدة الحزب الحاكم بتزوير الأرقام والغش في أرقام المبيعات، فهذا كلام خطير يعتبر السكوت عنه جريمة تستوجب المتابعة. وقريبا سيتلقى مدير نشر «التجديد» استدعاء للمثول أمام المحكمة لتقديم أدلته حول هذا الاتهام الذي كاله للجريدة والشركة التي توزعها ولي شخصيا، مع أنني لا أقدم أية أرقام لشركة التحقق من الانتشار، ببساطة لأنني لا أملك صلاحية ذلك.
إن التشكيك في أرقام مبيعات «الأخبار» المنشورة بكل شفافية على الموقع الإلكتروني لمؤسسة «OJD» للتحقق من الانتشار، وهي بالمناسبة التهمة التي لاحقت كل الجرائد التي اشتغلت بها و»تسببت» في رفع مبيعاتها، يكشف جهلا مريعا ومطبقا بطريقة عمل مفتشي هذه الشركة الفرنسية التي تمتلك أحدث التقنيات للتحقق من مبيعات الجرائد عبر العالم.
ولذلك، فإن وكالات الإشهار تعتمد على أرقام هذه المؤسسة لاختيار الجرائد والمجلات التي تحقق نسبة مبيعات محترمة لنشر إعلانات زبائنها على صفحاتها.
والواقع أن اتهام جريدة الحزب الحاكم «الأخبار» بالنفخ في أرقام مبيعاتها، يعني ضمنيا اتهام مفتشي مؤسسة «OJD» بعدم القيام بواجبهم في التحقق من أرقام مبيعاتنا، أي أن «التجديد» تتهم مؤسسة«OJD» بعدم الدقة والفشل في التحقق من المبيعات.
ما يؤكد النية السيئة لجريدة الحزب الحاكم، هو كونها تعرف أكثر من غيرها التقنيات التي يشتغل بها مفتشو مؤسسة «OJD» عندما يأتون مرة كل ستة أشهر لمراقبة مبيعات منشورات المؤسسات الإعلامية المنخرطة ضمن خدماتها.
فهم لا يكتفون بأرقام المبيعات التي تقدمها إليهم شركات التوزيع، بل يطلبون من الشركة الناشرة أرقام المبيعات والسحب الحقيقي الموجودة في فواتير المطبعة، ثم يقارنون بينها وبين المبالغ المالية التي تسددها شركات التوزيع عن المبيعات الحقيقية في السوق، مما يعني أن هامش الخطأ غير موجود، لأن الأرقام، كما يقول الفرنسيون، عنيدة.
وحتى إذا ما حاولت شركات التوزيع، أن تنفخ في أرقام مبيعات جريدة معينة لكي ينصب مديرها على شركات الإعلانات، فإن أرقام السحب ومداخيل المبيعات المسجلة في البيانات البنكية تفضح كل شيء، إذ ليس من المعقول أن ينفخ الموزع في أرقام مبيعات جريدة معينة، وفوق ذلك ينفخ في المبالغ التي يحولها كل شهر إلى حساب الجريدة.
وإذا غامر وقام بذلك، فإنه يعرض نفسه لمحاسبة مراقبي الضرائب الذين سيطلبون منه تبرير كل تلك المبالغ المنفوخة التي يسددها لتلك الجريدة كل شهر. ويمكنك دائما أن تجد موزعا يغامر بالنفخ في أرقام المبيعات، لكنك لن تعثر أبدا على موزع ينفخ في الشيكات التي يسددها لزبائنه كل شهر، «اللهم إلى كان باغي يهبط الريدو».
وإذا كانت أرقام مؤسسة «OJD» غير مضبوطة إلى هذا الحد، فعلى عباقرة جريدة «التجديد» أن ينسحبوا منها، فهم حسب علمنا لازالوا أعضاء في هذه المؤسسة التي «تفضح» دوريا مبيعاتهم المتدنية.
وإذا كان من السهل خداع هذه المؤسسة بالأرقام المنفوخة، فهذا يعني أن على جميع منخرطيها في المغرب أن يعيدوا النظر في الأرقام التي تقدمها إليهم وإلى المعلنين، وتنشرها على موقعها الإلكتروني للعموم.
وعلى العموم تبقى مؤسسة التحقق من الانتشار الحقيقية بالنسبة إلينا هي أرض الواقع، ونحن ندعو عباقرة «التجديد» إلى النزول إلى نقط البيع في كل المدن، وطرح سؤال واحد على الباعة «ما هي الجريدة التي تباع أكثر لديكم»، وسيحصل هؤلاء العباقرة على الجواب الشافي.
طبعا لا حاجة بنا إلى تذكيرهم بالقيام بذلك، فنحن نعرف أنهم يفعلون ذلك بشكل دوري ويحصلون في كل مرة على الجواب المزعج نفسه.
هناك بعض الناشرين الذين يقيمون مناحات يومية في افتتاحياتهم بكاء على تردي المبيعات، مطالبين الوزارة الوصية بمنحهم الدعم من المال العام للبقاء على قيد الصدور. أي أن هؤلاء يطالبون الوزارة بتمويل فشلهم وعجزهم عن إصدار منتوج إعلامي قابل للتسويق.
وهؤلاء الناشرون يتذرعون بانحسار القراءة وتراجع سوق الإعلان، قصد مطالبة وزارة الاتصال بصرف إعانات عمومية من أجل دفع تكاليف الطباعة والتوزيع.
الحقيقة أن سوق القراءة في المغرب لم يتراجع، بل ما تراجع هو تأثير وجاذبية الصحف، والدليل على أن سوق القراءة مستقر هو ارتفاع مبيعات «الأخبار» مقارنة بالركود السائد.
سوق الإشهار بدوره عرف انتعاشا ملحوظا، وأصبح جل المعلنين يبحثون عن الجرائد التي تبيع لا عن تلك التي تأكلها الشمس في الأكشاك.
لذلك فأزمة انتشار الصحف ليست بسبب القراء، فهم موجودون، بل في ما تقدمه لهم الصحف من أخبار ومواد. فالقارئ في نهاية المطاف هو من يختار ما سيقرأ، وحتى لو حاول البعض تضليل الرأي العام، فإن هذا الرأي يعرف الصالح من الطالح، والصادق من الكاذب.
ساحة النقاش