فلاش بريس = حسن البصري
اللي فرط يكرط
من يقرأ بتمعن قصة المغرب وكأس العالم للأندية، سيتوقف عند العديد من المفارقات العجيبة. فقد زف منصف بلخياط، وزير الشباب والرياضة السابق، للمغاربة خبر فوز المغرب بشرف تنظيم «الموندياليتو»، وحين كان الموعد الكروي يزحف نحونا، تلقى الوزير خبر انتهاء ولاية الحكومة، وحزم حقائبه تاركا جمل كأس العالم بما حمل.
شاءت الصدف العجيبة أن يغيب علي الفاسي الفهري، الرئيس السابق للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، عن النسخة الماضية من كأس العالم للأندية، فخلا الجو لمحمد أوزين، وزير الشباب والرياضة الحالي، ليحلق ويطير ويصبح آمرا وناهيا في «موندياليتو» 2013.
بعد عام «طار» الوزير وصدر قرار منع التجول في المنصة الرسمية، فناب عنه فوزي لقجع، رئيس جامعة الكرة، بينما تابع أوزين المباراة النهائية من بيته، تنفيذا لقرار ملكي جنبه موشحات المدرجات التي كانت تعتزم إتحاف الوزير بقوافي الهجاء.
سيردد الوزير الغائب عن العرس الكروي في قرارة نفسه، قصيدة المعتمد بن عباد، «في ما مضى كنت بالأعياد مسرورا» التي نظمها سجين أغمات قبل قرن من الزمن، وقد يصرف النظر عن الكرة بعد أن سددت له قذائفها القوية بعيدا عن المقصورة الرسمية.
في أول مونديال للأندية سنة 2000، كانت الحكومة المغربية تضم في تشكيلتها وزيرا حركيا هو أحمد الموساوي، لكن الرجل كان نقيض الحركي أوزين، إذ نادرا ما كان يقتحم المشهد الكروي، حتى خيل للجميع أن الجنرال حسني بن سليمان هو الوزير الفعلي للكرة، فألغى ملك البلاد حقيبة وزارة الرياضة لمدة خمس سنوات وحولها إلى قطاع تابع لإدريس جطو.
نادرا ما يصدر قرار التوقيف في حق وزير، لكن منع أوزين من متابعة نهائي مونديال الأندية «قرار سيادي لا رجعة فيه»، فيه رحمة للوزير الذي أعفي من عاصفة شتائم هوجاء كتلك التي استهدفته في مباراة الريال وكروز، حين خصصت له الجماهير فاصلا هجائيا، حتى اعتقد مدرب الفريق المدريدي أن الجمهور المغربي يهتف باسم اللاعب السابق للريال أوزيل ويكن له تقديرا خاصا.
أعفى الملك محمد السادس وزير الداخلية السابق إدريس البصري، لكنه أمر وزيره الأول الاتحادي عبد الرحمن اليوسفي بتكريمه. وفي بداية السبعينات زج الملك الراحل الحسن الثاني بستة وزراء من تشكيلة مولاي أحمد العراقي في سجن لعلو، لكن الملف طوي بسرعة وغادر السجناء المعتقل دون أن تصادر أملاكهم، وحين استخلصوا نسخة من السجل العدلي اكتشفوا أن العقوبة كتبت بماء.
سأل جوزيف بلاتر رئيس جامعتنا فوزي لقجع، في وليمة أقيمت على شرفه، عن سر غياب الوزير أوزين، فأخبره بغضبة الملك من الملعب العائم وإصراره على تجميد همة أوزين إلى حين ظهور نتائج التحقيق. حمد بلاتر الله لأنه لا أحد ساءله عن صفقة مونديال قطر المثيرة للشك، وهكذا سيواصل حضور أعراس الكرة دون محاسبة.
أنهى القرار الملكي صلاحية قاعدة الصفح «عفا الله عما سلف»، وجعلنا نقف على حربائية الزعماء السياسيين، الذين يتلونون بكل الألوان. فقد هدد امحند العنصر، زعيم الحركيين، عبد الإله بنكيران بالانسحاب من تشكيلته الحكومية إذا صدر قرار في حق أوزين. وحين صدر بلاغ حظر التجول في ملعب مراكش، ابتلع الزعيم الحركي تهديداته ونفاها جملة وتفصيلا، وأقسم بأغلظ إيمانه في يوم جمعة عدم وجود نية الانسحاب من الحكومة، ومن «نفى» فلا جمعة ولا زعامة له.
إذا كان أوزين ممنوعا من الصرف، بسبب سيول مائية حولت ملعب الأمير مولاي عبد الله إلى ملعب عائم، مجردا من المسؤولية فقط لأن ملاعب قوم عند قوم مسابح، فإن القناطر التي تحطمت والطرقات التي تهشمت والبنيات التحتية التي جرفتها المياه قبل أن تسحب المقاولات عتادها، تستحق قرارا مماثلا يمنع وزير التجهيز والنقل من التنقل وملازمة بيته إلى نهاية التحقيق في الصفقات التي «هزها الماء». في اليابان استقال وزير الطاقة بسبب انقطاع الكهرباء في ملعب كرة، بينما استقال آلاف المواطنين المغاربة من الكهرباء وعادوا إلى «ضي القناديل»، دون أن ينتبه لهم أحد.. في وطننا يهدد إبليس بالاستقالة من مهامه، لأن كثيرا من الوزراء يعيشون حياتهم المخملية في قصور ويركبون سيارات فارهة عليها عبارة «هذا من فضل ربي».
ساحة النقاش