فلاش بريس = طارق أوشن
»الشيخة تسونامي «
قبل سنوات، شهد الساحل الغربي لجزيرة «سومطرة» الأندونيسية ومعها أحد عشر بلدا مجاورا، موجة تسونامي أتت على الأخضر واليابس، في واحدة من أكبر الكوارث الطبيعية في العالم. يومها تنادى نور الدين عيوش وزمرة من أصدقائه ليقصفوا مشاهدي القنوات الوطنية بوصلات إشهارية صورت على خلفية سوداء، تباكى خلالها المشاركون على حال الضحايا، داعين المغاربة للتبرع لفائدتهم. مرت السنوات ولم نعرف للحملة رصيدا ماليا ولا عملا إنسانيا. اليوم، تواجه عدد من مناطق البلاد تسوناميا حقيقيا لم يحرك لدى عيوش ورهطه ذرة إحساس أو رغبة في تقديم العون للمنكوبين. هؤلاء ليسوا وحدهم المعنيين، بل كثير من «نخب» هذا البلد، وعلى رأسهم الساسة، الذين ربما لا يعرفون عن التسونامي غير الشيخة إيمان وزميلاتها في المهنة، اللواتي اجتمع حول إحداهن وزراء الحركة الشعبية، يتراقصون بلا خجل ولا حياء وكأنها وصلة تسخينية من الوزير أوزين لحفل افتتاح «الموندياليتو» بعد أيام.
بالصدفة فقط شهدت الجولة الأولى من فيضانات جنوب المغرب، حضور وزيرين لمعاينة الكارثة. في الطريق إلى كليميم، لم يجد الناطق الرسمي باسم الحكومة غير الإصغاء إلى شكوى سكان لم يتوقفوا عن مناداته بالسيد الوزير. فالوزير في المخيال الشعبي لدى أهلي بسوس مرادف للقوة والقدرة على الإنجاز. لكن الخلفي سكت عن الكلام المباح، فالظرف لم يكن ظرف لغة خشبية قد يكون أعدها للقاء جمهور آخر كان في انتظاره لتنشيط لقاء حزبي.
بعد أسبوع تبخر الوزراء وتركوا الناس يواجهون مصيرهم المحتوم، علما أن الجميع كان على علم بيوم الكارثة وحجمها المنتظر. النخبة المغربية مشغولة بترفها الفكري وسجالاتها العقيمة التي وجدت في مراكش مجالا خصبا لممارستها في السر والعلن.. حتى أن الاشتراكيين تذكروا أن للمهدي قبرا وجب تذكير القصر به. رئيس الحكومة كان مشغولا بتذكير أبناء الخليج العربي كيف أنهم منحوا المغاربة شرف العتق من النار، بعد أن جاؤوا إلى أرض الوثنية هذه بالإسلام دينا، في مقايضة غريبة للدين بالمال والاستثمار.
نسي رئيس حكومتنا أن المشاركين في منتدى الاستثمار الخليجي جاؤوا بحثا عن زينة الحياة الدنيا أموالا وأرباحا، فصار يكلمهم عن الآخرة. وزير آخر كان نشر صوره في الجولة الأولى من الفيضانات، طار إلى الصين ربما بحثا عن علم ينقذ ما أفسدته الشركات «الشقيقة»، وآخر كان كل همه ألا يسجل في «تاريخه» تهديده صحفيا بالمتابعة، حين قال إن الوزارة تسلم بطائق الصحافة للبوليس. الحمد لله أن الأمر تأكد وشرفنا ببوليس صحافيين باعتماد وزاري على خلفية اعتذار علني من شيم الرجال. والرجال الحقيقيون هم الذين شمروا عن سواعدهم لإنقاذ الضحايا ولو أركبوهم شاحنة أزبال.
الدولة مشغولة بأوراشها الكبرى حقوقية كانت أو «تنموية»، أما البرلمان فانشغل، كما عادته دوما، بصراع ديكة بين حزب يدعي امتلاك الحقيقة والإرادة، في مواجهة أحزاب مخترقة سمحت للجهة إياها بالتدخل في شؤونها، وهو الذي لم يجد غضاضة في حشر أنفه وأصبعه وأي شيء آخر في «جثة» الاتحاد الاشتراكي، حتى جعل من تسمية إحدى قاعات القبة باسم أحمد الزايدي، رحمه الله، معركة حياة أو موت تستحق أن تصدر حولها تصريحات اللمز والغمز.
وفي عز الكارثة التي ألمت بأبناء الجنوب وجبال الأطلس المنسي، لم يجد الحزب الاشتراكي الموحد، حزب المقهورين، غير إصدار بيان حمل مفردات كنا نعتقد أن الزمن قد تكفل بصيرورة انقراضها من قاموس الفعل السياسي. فاتهموا الدولة المغربية بوجود استراتيجية رسمية لديها في فتح الأبواب أمام قادة الأنظمة الشمولية التي تبذل شعوبها تضحيات في الإطاحة بها، بدل إحالتهم على القضاء لمواجهة محاكمة عادلة، معلنا رفضه لاستقبال ديكتاتور بوركينا فاسو المخلوع وكل من تلطخت أيديهم بدماء شعوبهم، وأن يصبح المغرب شريكا في جريمة الإفلات من العقاب. مشكلة الاشتراكي الموحد أن مقره يقع في الزاوية بين زنقتي أكادير وبغداد. ولأن الحزب ألف تموضعه في الزاوية، فكلما انتظرنا منه الاختيار بين الانتماء إلى الـ«هنا»، نجده يفضل بغداد على أكادير، كما كل أحزاب ما يسمى اليسار الجذري، والتي ترى في الاهتمام بتاريخ تشي غيفارا وخطابات كاسترو ومرض تشافيز الذي أودى بحياته، مطية لتعويض غياب امتداد شعبي لها في الوطن الأم، المغرب. بسلطنة تيزنيت، تساقط جزء من سور المدينة العتيق، الذي واجه الزمن منذ أن بُنِيَ بأمر السلطان الحسن الأول. يا ليت المتاجرين بأصوات وأحلام أبناء البلد تحته مجتمعين، لنبدأ اليوم في سرد مناقبهم على الأشهاد نفاقا.
ساحة النقاش