http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

فلاش بريس = محمد الأشهب

فصل من كتاب الإقالة من الوزارات

أبدى وزير الدولة في الأنباء عبد الهادي بوطالب امتعاضه من غياب السفير المغربي في الرياض، كونه لم يحضر لاستقباله في زيارة عمل إلى العربية السعودية. لاحظ في غضون ذلك، وهو عالم متفقه في الإيحاءات والترتيبات البروتوكولية، أن الاستقبال لم يكن في مستوى حضوره كوزير دولة، جاب دهاليز الخارجية ودقق في ملفات القضاء ورأس المؤسسة التشريعية الأولى بعد إلغاء حالة الاستثناء.
  عدا أن سيد الهادي أمضى وقتا في التدريس بالمدرسة المولوية بما تزخر به من حمولات. رافق تطورات الأحداث السياسية والمحطات الأكثر إثارة في تاريخ المغرب الحديث. يستطيع قول كلمة لا حين تخرس الألسنة، ويقول نعم عندما يتردد آخرون. لكن الرجل الذي كان يؤثر في الآخرين بسعة اطلاعه وفصاحة حججه القانونية والسياسية والتاريخية، وجد نفسه متأثرا بظروف استقبال تحفها التساؤلات. إلى أن جاء من يخبره أنه لم يعد وزيرا، وأن بيانا صدر بإقالته، وهو على متن الطائرة، حاملا رسالة ملكية إلى الأشقاء السعوديين
.
  أدرك عبد الهادي بوطالب، الذي كان صارما في الترصد لأخطاء الآخرين، أن من يرخي السمع لانتقاداته، لن يغيب عنه أن يفعل ذلك مع منتقديه. ويقال إنه استغل وجوده لزيارة أصدقاء يحتفظون له بصورة المثقف والمفكر والأديب، ثم عاد على متن أول رحلة إلى الدار البيضاء، من دون أن يخوض في أسباب ودوافع إقالته، لأنه فهم أن الطريقة أبلغ في التعبير من أي تحريات. وسنحت له الفرصة أن يعتكف بين رحاب خزانته ردحا من الزمن، خصصه لأبحاث أكاديمية عميقة في تفسير القرآن الكريم، والإحاطة بتحديات فكرية انغمر فيها بكل عقله وجوارحه، إلى أن جاء من يقترح عليه تولي مسؤولية رفيعة في المنظمة الإسلامية للثقافة والعلوم «الإيسيسكو» المنبثقة عن المؤتمر الإسلامي. ومن المفارقات أن أول زيارة رسمية ستكون في اتجاه العاصمة السعودية الرياض، التي كان غادرها وزيرا مقالا، وعاد إليها مسؤولا مسلحا بالإجماع الإسلامي
.
  في مساره الحكومي، تعد السنوات التي قضاها عبد الهادي بوطالب على رأس وزارات في قطاعات مختلفة، على رؤوس الأصابع. أكثرها تقادما لا يزيد عن بضع سنوات في وزارة العدل، بينما قطاعات التعليم والخارجية والشباب والرياضة والأنباء، تحسب بالشهور. ومع أنه كان قاسيا على سلفه وزير الأنباء محمد العربي الخطابي، الذي كان يفضل الكتابة والخزانة على المسؤوليات السياسية، فإن الدكتور عبد الواحد بلقزيز الذي خلفه في منصبه سيلقى المصير نفسه، أي الإقالة دون علمه، بعد عودته من مهمته. لاشك أنها كانت ناجحة في رأيه وفاشلة برأي أهل القرار الذين عابوا عليه صمته، حين كان يجب أن يتكلم
.
  بيد أن عميد كلية الحقوق الذي انتقل إلى سفارة المغرب في بغداد، وخلف رجل حزب الاستقلال القوي امحمد بوستة في الخارجية، كان تعلم فضيلة الصمت أثناء إدارته وزارة الأنباء. ونسي أن الصمت لا يكون مقبولا في كل الحالات. سأله الملك الحسن الثاني ذات مساء، إن كان يستطيع نقل خطاب رسمي من مدينة في الجنوب على شاشة التلفزة، فرد بالإيجاب، وغاب عنه أن الجبال والتضاريس الشاهقة تحجب الإرسال في زمن ما قبل نقل الوقائع عبر الأقمار الصناعية
.
  من وقتها بدأ يحتمي بالصمت، مع أن الأصل في وزارة الأنباء، قبل أن تصبح وزارة للإعلام والنطق رسميا باسم الحكومة، هي الكلام. ولم يكن مثل الوزير الراحل أحمد الطيبي بن هيمة من يجيد الاسترسال في الكلام بالعربية والإنجليزية والفرنسية، من دون أن يمسك عليه الإعلاميون شيئا لا يريد البوح به
.
  وحكاية وزير الخارجية عبد الواحد بلقزيز، أنه سمع من الرئيس السينغالي عبدو ضيوف رسالة مقتضبة، لم يستوعب أنها ساخنة مثل الوجبات التي لا تودع في «الثلاجة»، وبدل أن يكون مجرد ساعي بريد يوصل الرسائل إلى أصحابها، عمل بقاعدة «كم من شيء قضيناه بتركه». هكذا تقول روايات تناسلت حول أسباب إقالته. غير أن الملك الراحل الحسن الثاني أشاح بوجهه ولسانه حين سأله الصحفي طالع سعود الأطلسي، في مؤتمر صحفي في مراكش، عن أسباب إقالة الوزير المراكشي، ولم يجبه عن سؤاله الذي حذفته الرقابة أثناء معاودة بث الوقائع الكاملة للندوة الصحفية
.
  مجمل القول أن الوزير غادر القصر الملكي في مراكش ذات مساء على متن سيارة الوزارة، ولم يدر في خلده أنها ستكون الأخيرة بعد تسليم السلط للوزير القادم عبد اللطيف الفيلالي في اليوم الموالي. كعادته ركن إلى المقعد الخلفي يراجع ملفاته، بينما السيارة تنهب الطريق من مراكش إلى الرباط. وفي غفلة من توقعاته صدر بيان مقتضب يقضي بإعفائه من مهامه. لعله سمعه في مقر إقامته أو أثناء خطواته الأخيرة في اتجاه البيت
.
  كما عاد عبد الهادي بوطالب من نافذة المنظمة الإسلامية للثقافة والعلوم، سيقع الاختيار على عبد الواحد بلقزيز لانتخابه أمينا عاما لمنظمة المؤتمر الإسلامي. وبعدها سيكون لكل شيء نهاية، لا تكون دائما كما في طموحات البدايات. وهذه مجرد شذرات من كتاب الإقالة، يوم كان محظورا على الوزراء أن يمارسوا حق الاستقالة، إلا في حالات نادرة أبطالها معدودون في تاريخ الحكومات المتعاقبة
.

 

 

المصدر: فلاش بريس = محمد الأشهب
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 23 مشاهدة
نشرت فى 25 ديسمبر 2014 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

281,878