المساء = عبد الله الدامون
أكبر «كرّاطة» في العالم.. وأكبر «سنْطيحة» في الكون
العدد :2556 - 17/12/2014
من حق وزير الشباب والرياضة المغربي أن يغضب، ليس لأن المطر أغرق ملعب مولاي عبد الله في بضع دقائق وحوّله إلى بحيرة عملاقة، بل لأنه غضب لأن المغاربة غضبوا، لذلك وصف الغاضبين بكونهم طابورا خامسا، أي أنهم يعملون ضد مصلحة البلاد والعباد، وأنهم -بصريح العبارة- خونة.
ما قاله الوزير أوزين ليس مفاجأة على الإطلاق، ففي هذه البلاد كان الخائن ولايزال هو الذي يغار على وطنه ويطالب بسقوط الفساد الذي أهلك البلاد والعباد؛ أما اللصوص والخونة الحقيقيون فهم خدام الوطن والغيورون على مصالحه، وحتى عندما يغرقوننا في فضائح عالمية مجلجلة، مثل فضيحة ملعب الرباط، فيجب أن نعترف بأن الخونة هم نحن لأننا لم نتفهم ظروف وملابسات الفضيحة وكان يجب أن نلقي باللوم على السماء التي أرسلت إلينا الأمطار غير المناسبة في الوقت غير المناسب وفي المكان غير المناسب.
ملعب الرباط كان سيستضيف فريق ريال مدريد، وهذا الفريق له نجوم لا يقلون أهمية عن رؤساء الدول وكبار الشخصيات في العالم.. إنهم ينافسون أوباما وبوتين وميركل في الأهمية والشهرة، وربما يفوقونهم بكثير، ولو أن قادة الثمانية كانوا سيزورون المغرب لما عرفت بلادنا كل هذا الاستعداد المثير وحالة الطوارئ الغريبة، لكن يبدو أن الوزير أوزين «شاف الربيع ما شافْ الحافة»، أي أنه أراد فقط أن يستقبل فريق ريال مديد، ولم ير الفضيحة الكبيرة لملعب كبير يغرق عند أول زخة مطر.
في إسبانيا، ضحكت علينا وسائل الإعلام ما شاء لها أن تضحك، فصحيفة «ماركا» الرياضية، وهي الصحيفة الرياضية الأكثر انتشارا في العالم، قالت في عناوين بارزة إن المغاربة يجففون ملعب تْمارة بالإسفنجات (الشيفونات)، وكأننا بها تقول إن الفريق سيدخل معتقل تْمارة للجلوس على «القْراعي»، فاشتعلت الأضواء الحمراء في البلاد كلها، وكاد الفريق الإسباني يلغي مشاركته لولا تدخل «الفيفا» التي أمرت بتغيير الملعب بملعب مراكش.
قبل بضعة أسابيع، وعندما تخلى المغرب عن تنظيم نهائيات كأس إفريقيا، ضحكنا كثيرا عندما رأينا الملعب الرئيسي في غينيا، التي عوضت المغرب، وهو غارق في الأمطار، وقلنا لا حول ولا قوة إلا بالله عندما رأينا عمالا غينيين يجففون الملعب بوسائل بدائية، مثل المكانس و»الكرّاطات»، وسمعنا معلقين رياضيين يسخرون من تلك الطرق البدائية ويتساءلون كيف يعقل أن يتم منح غينيا تنظم نهائيات كأس إفريقيا! وكان من بين الساخرين معلقون مغاربة، ضمنهم الزاكي بادو، قالوا في ملاعب غينيا ما لم يقله مالك في الخمر، وكأننا بلد غارق في التقدم ونسخر من بلد إفريقي غارق في التخلف!
الحكمة تقول «كما تدين تـُدان»، لأنه بعد ذلك وجدنا أنفسنا في وضع أسوأ بكثير من وضع غينيا، لأن كل وسائل الإعلام العالمية كانت مركزة على المغرب، وشاهد العالم كله كيف ظهرت فجأة أكبر «كرّاطة» في العالم في ملعب مولاي عبد الله، وتحولنا فجأة إلى «شعب أدغال» ونحن نرى عمالا يجففون الملعب بـ»البونْجات» وبأسطل طلاء مهترئة.
الحقيقة أن هذه الفضيحة لا دخل للفساد فيها، فالمسؤول الأول هو المطر، أما الفاسدون الذين بنوا هذه الملاعب أو أشرفوا على بنائها فهم معذورون لأنهم تصرفوا على أساس أن المغرب بلد لا يعرف هطول أمطار كثيرة؛ وإذا كانت هناك مفاجأة، فإن المسؤولية أساسا يتحملها «الاحتباس الحراري».
الواقع أن الوزير أوزين لا يتحمل مسؤولية ما جرى، فهو رجل قيل له كـُن وزيرا فكان، ولو كان هناك وزير غيره لحدث نفس ما حدث، لكن المشكلة توجد أساسا في «سنْطيحة» الوزير أوزين لأنه يمتلك كل هذه الوقاحة للدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه. أكيد أننا نتذكر هذا الوزير جيدا حينما أرغم منظمي مباراة البارصا والرجاء في ملعب طنجة على القبول بأن تكون ابنته هي التي تمسك بيد اللاعب ليونيل ميسي وترافقه إلى داخل الملعب، بينما كان مقررا أن يرافق طفل آخر اللاعب ميسي وفق اتفاق سابق يقضي بأن الطفل الفائز بلقب أحسن لاعب في دوري محلي هو الذي سيرافق ميسي. فهل كان الطابور الخامس هو الذي حرم ذلك الطفل من مرافقة ميسي إلى داخل الملعب واستبداله بابنة أوزين؟ وهل كان خونة الوطن هم الذين خانوا الوعد الذي حلم به ذلك الطفل في منامه ويقظته؟
تلك كانت واحدة من أبرز معالم النفاق والأنانية لوزير الرياضة أوزين، وها هو يعود اليوم للدفاع عن فضيحة أخرى، ليتبين أن المغرب لا يتوفر فقط على أكبر «كرّاطة» في العالم، بل يتوفر أيضا على أكبر «سْنطيحة» في الكون.. «سنْطيحة» الوزير أوزين.
اليوم، نسمع عن الإطاحة بالكاتب العام وبرؤوس صغيرة أخرى في وزارة الرياضة، وهذا هو حال المغرب دائما.. تسقط الرؤوس الصغيرة لكي تعيش الرؤوس الكبيرة.
ساحة النقاش