المساء = عبد الله الدامون
القدر.. والأسئلة الملعونة
العدد :2553 - 13/12/2014
الجدل حول موت عبد الله باها لن ينتهي قريبا. والحقيقة أن الجدل الذي يشتعل بين الناس ليس حول الموت في حد ذاته، بل حول طريقته، ففي كل يوم تينع أسئلة جديدة محيرة، خصوصا بعدما قالته زوجة الراحل باها، التي صرحت لقادة حزب "العدالة والتنمية" أن زوجها كان قد زار من قبل المكان الذي توفي فيه أحمد الزايدي قرب تلك القنطرة المشؤومة في وادي الموت، وادي الشراط.
سيقول كثيرون أي شيء سيدفع مسؤولا كبيرا في الدولة إلى اختيار زيارة مكان الموت مرتين، مرة في النهار تحت ضوء الشمس، ومرة في الليل. فأن يزور شخص مكانا ما، في ضوء النهار، للاطلاع والفضول فهذا شيء طبيعي، لكن لا يمكنه أن يفعل ذلك لمرة ثانية تحت جنح الظلام. لقد زار باها مكان موت الزايدي في واضحة النهار بضعة أيام على الحادث الذي أودى بحياة أحد قادة الاتحاد الاشتراكي، فما الذي يجعله يعاود الكرّة شهرا بعد ذلك وفي عز الظلام؟ يا له من سؤال ملعون! !
الأسئلة ستشتعل من جديد، وصفحات "الفيسبوك" و"تويتر" يبدو أنها ستشتغل فقط على هذا الموضوع لزمن طويل قادم، وكل الناس سيتحولون إلى محللين عباقرة، ولهم الحق في ذلك لأن هذا اللغز يهم الناس جميعا، والمرحوم باها لم يكن ملكا لنفسه، بل كان ملكا للمغاربة، حتى الذين يختلفون معه أو يصوتون في الانتخابات لأحزاب معادية لنهج حزب العدالة والتنمية.
الأسئلة التي يتداولها المغاربة قد يجدون لها أجوبة في علوم الغيبيات أكثر مما سيجدون لها أجوبة في الواقع وتحقيقات الشرطة العلمية وبيانات وزارة الداخلية وملفات الدرك والنيابة العامة، فليس هناك أشياء كثيرة يمكن أن تضيفها التحقيقات، لأن ما قيل قد قيل، وما كان قد كان..
يقول كثيرون إن الذي يعرف الحقيقة شبه المطلقة حول موت باها هو رجل واحد.. سائق القطار القاتل، الذي رأى لوحده ما جرى، وهو وحده يمكن أن يشرح للمغاربة كيف كانت وضعية باها ساعة الكارثة، لكن حتى سائق القطار تكلم قليلا ثم دخل في غيبوبة نفسية صعبة نتيجة المعاناة التي اعترته بعد أن عرف بهوية القتيل، والمشكلة الأخرى أن سائقي القطارات لا ينتبهون غالبا لما يجري أمامهم على السكة، فقطارات اليوم تسير بطرق أوتوماتيكية، مثل الطائرات، ونادرا ما يتدخل السائق، وكثيرا ما ينتبه السائق متأخرا لما يجري على السكة، وهو ما يشرح وقوع أحداث كثيرة بين القطارات وعلى سكة القطار.
كل واحد، إذن، مخول مع نفسه ومع غيره لكل التفسيرات والتأويلات. فمن يؤمنون بمطلقية القضاء والقدر سيطوون الصفحة وينتهي الأمر. ومن يؤمنون بنظرية المؤامرة يمكنهم أن يتخيلوا ما شاء لهم خيالهم أن يتخيلوا، ومن يؤمنون بالغيبيات والأمور الخارقة سيظلون يضعون الحكاية فوق الحكاية إلى ما لا نهاية.
قبل موت باها ببضعة أيام، تداول المغاربة خبرا حول كارثة جوية كانت محققة حين تعرضت الطائرة التي تقل رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، لاهتزازات عنيفة وهي في طريقها إلى وجدة، وعندما نزل بنكيران من الطائرة قال لعدد من منخرطي حزبه إنه كان بإمكانهم أن يقرؤوا اليوم خبر نعيه والحضور في جنازته عوض الاجتماع به.
بنكيران، الذي لم يكن يتحرك إلا رفقة "توأمه" الراحل باها، ربما يكون قد شاهد شريطا سينمائيا غريبا حول واقع الموت والحياة.
يحكي الفيلم عن ركاب نجوا من الموت بأعجوبة بعد أن تحطمت بهم الطائرة التي كان يُفترض أن يموتوا فيها. بعد مرور بضعة أيام على الحادث، صار ركاب الطائرة يتعرضون في حياتهم اليومية لحوادث غريبة حيث كان الموت يتصيدهم الواحد تلو الآخر بأكثر الطرق غرابة. والمثير أن كل الذين نجوا من حادث الطائرة كانوا يموتون بطريقة بشعة، سواء عبر تفتيت أجسادهم إلى قطع صغيرة، أو عبر احتراقهم في حوادث حتى في داخل منازلهم، كما لو أنهم ماتوا في حادث الطائرة، وفي النهاية مات كل الذين كان من المفترض أن يموتوا من قبل في تحطم الطائرة. لقد انتقم الموت في النهاية من كل الناجين.
إنها مجرد حكاية فيلم سينمائي لا علاقة لها بالواقع، لكن رغم ذلك فإن مجال الغيبيات لا حدود له، كما أن عالم الألغاز مفتوح على كل التفسيرات.
في حادث موت عبد الله باها يوجد القدر من الألف إلى الياء، وحول القدر توجد الكثير من الأسئلة الملعونة.
ليرحم الله سّي عبد الله، وليرحمنا الله جميعا.
ساحة النقاش