المساء = حسناء زوان
»مرفـْحين بلادي.. دخانهم عْمانا وطعامهم ما جانا«
العدد :2556 - 17/12/2014
قبل أيام قليلة فقط، نشرت مؤسسة المساعدات الخيرية، الموجود مقرها في بريطانيا، تقريرا عن الدول الأكثر سخاء في العالم. التقرير وضع المغرب في الرتبة الـ112 من أصل 135 دولة. وهذا يعني، وفق التقرير، أن المغاربة من أقل الشعوب عطاء وسخاء.
وحسب التقرير نفسه، دائما، فإن سكان هذا البلد الجميل قليلا ما يتطوعون ويكرسون وقتا أقل للأعمال الخيرية، ولا يقدمون سوى القليل إلى المؤسسات الخيرية مقارنة بشعوب أخرى أقل منهم دخلا. أول شيء أثاره فيّ هذا التقرير هو سؤال: لماذا؟
لماذا نحن شعب غير معطاء، رغم أن مرجعيتنا الدينية تحث على الجود والسخاء؟ ألأننا شعب فقير، وفقرنا يحول دون أن نكون أسخياء مع البؤساء، رغم أن مثل هذا التبرير لا يمكن أن نـُسوغ به غياب ثقافة العطاء لدينا، والدليل على ذلك أننا نقدم القليل فقط إلى المؤسسات الخيرية عكس شعوب أخرى أقل منا دخلا، كما يقول تقرير المنظمة البريطانية؟
ألأننا شعب أناني لا يفكر سوى في نفسه ولتـُقذف البقية إلى الهاوية.. شعب تتحكم في سلوكياته أمثال من قبيل: «راسي يا راسي»، و»سبق الميم ترتاح»، و»ادخل سوق راسك»، و»كول اليوم واخزن لغدا»...؟
ألأننا شعب يفتقر إلى القدوة والنموذج في مجال التطوع والأعمال الخيرية؟
أفكر، هنا بالتحديد، في أغنيائنا وفي الشخصيات المشهورة في عالم الفن والرياضة، التي تعتبر نفسها أيقونات وقدوات يقتدى بها!
حين انتشر تحدي دلو الماء البارد في الولايات المتحدة الأمريكية قبل أشهر قليلة فقط، كان الهدف منه بالأساس جمع التبرعات لمساعدة مرضى التصلب العضلي الجانبي الضموري، المعروف بداء Lou gehrig، وهو اسم لاعب بيسبول أمريكي شهير توفي بسبب هذا المرض سنة 1941.
قصة هذا العمل الخيري ابتدأت بسيطة حين قام المدير التنفيذي لـ»مايكروسوفت»، ساتيا ناديلا، بصب دلو من الماء البارد على رأسه تضامنا مع هؤلاء المرضى ولدعم منظمة Alsa الخيرية، ثم أعلن التحدي في وجه لاري بيج، المدير التنفيذي للعملاق الأمريكي غوغل، الذي قبل التحدي. وهكذا بدأت موجة التحدي تتسع، وكل من لم يستطع أن يرفع التحدي يؤدي 100 دولار للمنظمة الخيرية.
في المغرب، تتفشى أمراض عديدة وخطيرة، لكننا لم نسمع أبدا عن ملياردير مغربي أو شخصية شهيرة قامت بخطوة شبيهة بتلك التي قام بها المدير التنفيذي لـ»مايكروسوفت».
في المغرب، تقع بين الفينة والأخرى زلازل وفيضانات وكوارث كتلك التي وقعت قبل أسبوعين في الجنوب المغربي؛ غير أننا لم نسمع عن ثري مغربي قاد حملة لجمع التبرعات للمنكوبين. نحن لا نسمع عن مليارديراتنا إلا حينما تنشر مجلة «فوربيس» الأمريكية أسماءهم وحجم ثرواتهم وتصنيفهم القاري والعالمي؛ لا نسمع عنهم إلا حين تنفجر فضيحة مالية يكون أحدهم بطلها؛ لا نسمع عنهم إلا حين يقيمون حفلا باذخا أو عرسا يضاهي أعراس ألف ليلة وليلة لأبنائهم.. وما عدا ذلك فإننا لا نسمع ولا نعرف عنهم شيئا لأنهم، بكل بساطة، لا ينتمون إلى المجتمع الذي ننتمي إليه نحن «اكحل الراس»، فهم يظهرون حين لا نحتاج إليهم ويختفون حين نريدهم.
كنت أتمنى أن أسمع يوما عن ملياردير مغربي تبرع بجزء من ماله لبناء جامعة أو مستشفى خيري أو قاد حملة تطوعية في المناطق المهمشة من المغرب.
أعتقد أن هذا التمني يشاركني فيه الكثيرون، لكنه للأسف يبقى مجرد تمنٍّ لأن أغنياءنا لا يأبهون لتمنياتنا، فهمّهم الوحيد هو مراكمة الثروات ولو على حساب بؤسنا ومآسينا، إلى درجة أن دخان ثرائهم أعمى أعيننا دون أن نحظى ببعض منه ولو على سبيل الصدقة والعمل الخيري، ليصدقَ فيهم بذلك قول أجدادنا: «دخانهم عمانا وطعامهم ما جانا».
ساحة النقاش