فلاش بريس = سلمى الغزاوي
شكرا على غبائكم
يعبرون عمرنا، ويتوقفون في إحدى محطات حياتنا، كما لو كنا باحة للاستراحة، نَهَب الراحة للعابرين، الذين ما إن يقضوا وطرهم منا، حتى يلقوا بنا في مطرح النسيان..
يعبرون عمرنا، ومن فرط طيبتنا التي صارت تعد ضربا من ضروب الغباء وعلامة على معاناتنا من التخلف البديهي، لا نوقد لهم أصابعنا العشرة فحسب، بل نضيء لهم حياتهم بالاستعانة بمولد طاقة حياتنا، ليغادرونا بعدما يسرقون منا حياتنا..
يعبرون عمرنا، وينتزعون منا كل الفرص التي تهديها لنا الحياة، ويترامون على الهبات التي يضعها القدر في طريقنا، ويتزودون منا بجميع حاجياتهم الضرورية للعيش برفاهية، ويتركوننا على قارعة طريق السذاجة نعاني الإفلاس المادي والمعنوي..
يعبرون عمرنا، ويجعلوننا نغدق عليهم طوعا حبنا، ونغترف لهم يوميا كمية كبيرة من أجمل أحاسيسنا، كي نبرهن لهم أن الكرم العاطفي لم ينقرض بعد في زمن الشح بجميع أشكاله، ليختفوا من حياتنا دون سابق إنذار، ونكتشف متأخرين أننا ضحايا للنصب باسم الحب..
يعبرون عمرنا، لأنهم قرروا أن يستنزفوا ما تبقى منا، يستولون على أحلامنا، يسطون على آمالنا، وينهبون رصيد أمانينا، لنستنتج بعد فقدنا لكل ما كنا نملكه يوما، أنهم قطاع طرق الأحلام..
يعبرون عمرنا، يقطفون ثمرات نجاحنا، ويتلذذون برحيق إنجازاتنا، ويتباهون بتمتعهم بما كان مقدرا أن يكون لنا، يمتصون دماءنا، ولا يكتفون بذلك، بل يمضون لينهشوا لحمنا ويدنسوا سيرتنا مع الآخرين..
يعبرون عمرنا، يلعبون بمصائرنا، يتحكمون في «روليت» أملنا، يقامرون بمستقبلنا، يراهنون على فشلنا وهزيمتنا، يسرقون أوراقنا الرابحة قبل أن يغلقوا في وجهنا باب «كازينو الحياة»..
يعبرون عمرنا، يبهروننا بألاعيبهم وخدعهم السحرية، يتلاعبون بذكائنا ويجعلوننا ندخل طوعا إلى صندوق أكاذيبهم، وبعد انتهاء عروضهم المبهرجة، نتفاجأ بهم وهم يحكمون إغلاق صندوق الأكاذيب بأقفال الخداع، ليرموا بنا إلى قعر محيط الغدر..
يعبرون عمرنا، ويقنعوننا بأنهم سيشيدون من أجلنا قلعة عظيمة، وسيفرشونها لنا حبا وسعادة وثقة وإخلاصا، فنصدقهم ونشكر الدنيا التي أهدتنا إياهم، إلى أن نستفيق من غيبوبتنا العاطفية، وندرك أنهم شيدوا لنا قلعة من سراب..
يعبرون عمرنا، ويعدوننا بأنهم لن يتخلوا عنا، ويقسمون بأن يظلوا معنا إلى أن يفرقنا الموت، ثم يرحلون مع أحياء آخرين، لنعي أنه كثيرا ما تصفر قاطرة الرحيل، قبل أن يحين موعد الموت..
يعبرون عمرنا، وينجحون في جعلنا نرى فقط ما يرغبون في أن نراه، لأنهم يتوفرون على مجموعة هائلة من الأقنعة المختلفة التي يختارونها بعناية فائقة لتنجح مهمتهم في غسيل عقولنا، وعندما تتم مهمتهم بنجاح منقطع النظير، ينزعون أقنعتهم لنرى وجوههم الحقيقية المرعبة، قبل أن يقولوا لنا: «لقد شاركتم معنا في لعبة الوجوه الخفية»..
يعبرون عمرنا، يسرقون احتياطي عواطفنا، وينسحبون من حياتنا، تاركين لنا رسالة كتبوا فيها: «شكرا على غبائكم»، كشاهد أبدي على غبائنا..
ساحة النقاش