فلاش بريس = سلمى الغزاوي
الانتظار مقبرة الأحياء
هناك أشخاص يقضون أحلى سنوات عمرهم في انتظار شيء ما، حدث ما، أو شخص ما.. دون أن يدركوا أن قطار العمر يمضي بهم في سكة طويلة ليسوا متأكدين في أية محطة ستتوقف بهم، سكة خيالية تدعى: الانتظار..
ننتظر ما قد يأتي أو لا يأتي أبدا، وندع السنين تتسرب من بين أيدينا، وكأن الأهم هو ذاك الشخص أو الشيء المنفلت منا، لا حياتنا التي ننسى أن نعيشها ونستمتع بها، لأننا نحيا في وهم كبير اسمه الانتظار.. ننتظر حبا أسطوريا لم يعد له وجود حتى في القصص الخرافية، ولا نلتفت إلى تحذيرات عقلنا الذي ينبهنا دوما إلى أن هذا الخيار غير متاح في زمن إفلاس القلوب..
ننتظر غدا أفضل دون أن نعي أننا لا نملك فعليا إلا اليوم الذي نحرقه في قيظ صحراء الانتظار القاحلة، نحلم بغد أجمل بكثير من كل الأيام التي عشناها، فنخسر الحاضر والمستقبل معا، ونظل مكبلين إلى كرسي الانتظار، إلى أن تفاجئنا النهاية غير المتوقعة..
ننتظر أن تشرع لنا أبواب السعادة، وفي غفلة الانتظار غير محمود العواقب، نضيع فرصا للفرح والسعادة تأتينا دون أن ننتبه إليها، من فرط ما أدمنا انتظار المجهول..
ننتظر ذاك المستقبل الزاهر الذي لطالما حلمنا به، ونحرق شموع عمرنا في ظلام الانتظار، مغفلين أن الحياة لا تنتظر أحدا، وأننا نحن من نصنع مستقبلنا بأيدينا، لا الصدف التي ننتظرها على أحر من الجمر..
ننتظر عودة شخص ألغانا من حساباته، ولا ندري أننا بانتظارنا للمستحيل نلغي كل احتمالات التقائنا بشخص قد يكون أنسب وأفضل بكثير من ذاك الغائب عن حياتنا، الحاضر في انتظاراتنا..
ننتظر حلول فصل الربيع لأننا سئمنا فصل الخريف المتقلب، نحمل مزهرياتنا الملونة لنقطف أزهار الربيع المحتملة، متناسين أن لكل فصل جماله الخاص. ولذا، لا تتسنى لنا حتى مراقبة أوراق الخريف المتناثرة على أرصفة الحاضر..
ننتظر في فصل الصيف زخات المطر، ونحلم بأن نستقبلها بسعادة كبيرة ونركض تحتها بفرح طفولي، وعندما يحل فصل الشتاء، نتذمر منه ونحمل مظلاتنا الكئيبة لتقينا من قطرات الغيث، في انتظار عودة فصل الصيف وشمسه الحارقة..
ننتظر أن تهدينا الحياة الثروة والجاه والنفوذ.. ننتظر الحصول على النجاح الاجتماعي وكسب الجائزة الكبرى ليانصيب الانتظار، دون أن نبارح أماكننا، ولا نفطن إلى أننا قد قمنا بالحكم على أنفسنا طواعية بالسجن في زنزانة الانتظار العقيم.. ننتظر كل شيء وأي شيء، ونجعل حياتنا تتوقف في سبيل ما لا يأتي أبدا، نصاب بهوس الانتظار، إلى أن تشيخ أرواحنا، وتذبل قلوبنا، ونكتشف على حين غرة، وبعد رحيل قطار الفرص، وتفويتنا لرحلة العمر، أننا في حقيقة الأمر مجرد موتى نعيش كأشباح في مقبرة كبيرة خصصت للأحياء – الأموات، علقت عليها لافتة كتب عليها: مقبرة الانتظار..
ساحة النقاش