فلاش بريس = سلمى الغزاوي
الكتابة للجميع!
الملاحظ، في الآونة الأخيرة، أن الكل صار يصرح برغبته في الكتابة، ويفتخر بمحاولاته الإبداعية حتى ولو كانت مجرد محاولات بائسة تفتقر إلى مقومات الكتابة جميعها، مما يجعلنا نتساءل: هل بإمكان أي شخص أن يدخل إلى مملكة الكتابة دون شروط؟ هل لا فرق بين من يولد وبداخله الإبداع نتيجة ظروف صعبة خاضها، ومن يتمنى أن يصير مبدعا، مع أن حصيلته من الموهبة والتجارب غير كافية؟
قال المبدع الحزين «كافكا»: «الكتابة انفتاح جرح ما..»، لنفهم أنه على الإنسان الذي يلجأ إلى الكتابة أن يكون مثخنا بالجراح، فكيف لشخص لا تغشاه جراح الحياة أن ينزف على الورق؟ تاريخ الأدب شاهد على أن الجروح المتنوعة والمعاناة الكبيرة أخرجتا إلى الوجود أعظم المبدعين وأصدقهم على الإطلاق، وجعلتا إنتاجاتهم الإبداعية خالدة على مر الزمن.. لذا، يمكننا القول إنه كلما تضخم رصيد الكاتب من المعاناة والجراح، أبدع أكثر.. لكن الكثيرين لا يؤمنون بأن الوقود الذي يؤجج نار الرغبة في الكتابة هو الألم الداخلي وأوجاع الحياة، وأن الكتابة هي بمثابة آخر وسيلة مساعدة أمام الإنسان الذي سببت له قساوة الدنيا هشاشة في الإحساس. فالكتابة ملاذ ومحراب تطهيري، لا مجرد ناد ذهبي يمكن لأي كان أن يفوز ببطاقة الانخراط فيه، وينتزع أوراقا تثبت رسميا انضمامه إلى عالم الإبداع وحصوله على لقب «كاتب»، فقط ليتباهى بذلك أمام الآخرين.. فرق شاسع بين الكتابة التي تجرنا إليها عنوة شياطين الإلهام وتجعلنا نصاب بمس إبداعي يسبب لنا نزفا في الذاكرة، لعلنا نتخلص من أشباح الذكريات وننعتق من سجن الهواجس التي عمرت معنا طويلا، وتلك الكتابة السطحية غير المستندة على حقائب أوجاع وصناديق مغلقة على ملفات ذكريات الخسائر، تلك الكتابة التي يقتحمها منتحل صفة الكاتب دون الحصول على تصريح من عوالم الكتابة السفلى. وهذه النوعية من الكتابة التي طفت على السطح مؤخرا وجعلت العالم الافتراضي يصير مسخا من سوق عكاظ، يمكننا أن نسميها: «الكتابة – البرستيج».. وهي كتابة آيلة للزوال السريع بحكم أنها تنبع من مصادر اصطناعية، ولا تتدفق من بحر الإلهام الحقيقي وأمواج الحزن المتلاطمة..
ترى أكان «جان جينيه» سينجح في الكتابة لولا المأساوية التي طبعت حياته منذ الطفولة، ولولا تجربة السجن المريرة التي حركت بداخله نوازع الكتابة من أجل الرد على قساوة الحياة؟ أكانت «فيرجينيا وولف» ستتفوق في وصف المعاناة النفسية التي تقود إلى الانتحار لولا تاريخها مع المرض النفسي والهلاوس؟ وهل كانت أشعار «محمود درويش» سيُكتب لها الخلود لو لم يعش مأساة بحجم الوطن؟ وغيرهم كثير..
صحيح أن الحق في الكتابة مشروع، لكن ليس لأي كان الحق في إسالة المداد وتلطيخ الورق، فقط لأنه يريد أن يصبح كاتبا رغم أنف الإبداع، فالأسهل هو أن تكتب، لكن الأصعب، هو أن تترك بصمة إبداعية..
ساحة النقاش