فلاش بريس = سلمى الغزاوي
سيرك الحياة
في الحياة تجعلنا الصدف السيئة نلتقي بأشخاص يمارسون أشهر الخدع السحرية والألعاب البهلوانية، أشخاص ليست لديهم علاقة لا من قريب ولا من بعيد بعالم عروض السيرك، ولكنهم يتفوقون في كثير من الأحايين على كبار السحرة العالميين وعلى سادة ألعاب الخفة. لذا، فباستطاعتهم أن يخدعونا بمنتهى اليُسر، وأن يتلاعبوا بعقولنا عبر استعمال الخدع البصرية. يُسَخرون جميع حيلهم الدنيئة من أجل بلوغ أهدافهم المتوخاة منا، لكننا للأسف لا نفطن إلى أننا كنا ضحايا لأساتذة في فن الخداع إلا بعد انتهاء عروضهم، لنستفيق بعدها كالسائرين النائمين، ونحن نتساءل: كيف جعلتنا سذاجتنا منقطعة النظير صيدا سهلا لمحترفي الحيل؟
عذرا «جراهام جرين»، فالحياة ليست مجرد مسرح كبير - كما قلتَ- ، بل هي في نظري، سيرك خطير، من تقوده قدماه أو حظه العاثر إليه مفقود، ومن ينجح في إيجاد مخرج منه مولود، لأن كل السحرة ولاعبي الخفة المحترفين إذا ما اجتمعوا، قد لا يتمكنون من خداعنا بالسهولة ذاتها التي يخدعنا بها هؤلاء المتلاعبون بالحيوات والمصائر. فكم هناك من ساحر متخف في هيئة قريب أو حبيب، وكم من لاعب خفة متنكر في ثياب زميل أو صديق، وكم صادفت من بهلوان يتظاهر بالغباء ليقضي وطره مني.. أجل، صعدت إلى منصة عروض سيرك الحياة مرات عديدة، وتم التلاعب بذاكرتي البصرية، وخضعت للتنويم المغناطيسي، وتم إقناعي دونما عناء بأن أجرب لعبة حائط الموت وأقوم بالدوران فوقه وأنا أمتطي دراجة نارية بفرامل وعود مقطوعة، حتى إنه تم إدخالي مرارا وتكرارا إلى صندوق تقطيع الأجساد، لكن الفرق بين الألعاب السحرية التي يستمتع بمشاهدتها الناس، وبين الألعاب التدميرية لسيرك الحياة، أن هذا الأخير يخلف جراحا حقيقية، وأن الآثار التي يتركها يصعب أن تختفي بسحر ساحر..
في سيرك الحياة، من السهل جدا العثور على مروضين محترفين ومؤهلين، متخصصين في ترويض الإنسان، وتحويله إلى دمية متحركة بين أيديهم، كما بإمكانهم أن ينجحوا في جعله يقفز بمحض إرادته داخل حلقات من النار المستعرة، موهمين إياه بأنه لن يتأتى له النجاح في الحياة إلا إذا صار انتحاريا. كما أن هذا السيرك حافل بعروض الأرجوحات الشاهقة التي يقنعونك بالقفز منها، بعد أن تعصب أكاذيبهم عينيك، لتكتشف قبل أن ترتطم بأرض الحقيقة المرة، أنه لا وجود لشباك حماية تقيك من الموت فوق إسفلت الخداع، أما من يرغب في الاستمتاع بألعاب الخفة، فباعة الوهم موجودون بكثرة في هذا السيرك الغرائبي، ولا يتعذر عليهم أبدا أن يسلبوك كل شيء ويجردوك من كل ما عشت لأجله. وبالنسبة للدخول إلى هذا السيرك، فهو مجاني، لكن مغادرته دون خسائر غير مضمونة، أو بالأحرى.. شبه مستحيلة..
ساحة النقاش