فلاش بريس = سلمى الغزاوي
الحاسة السادسة النسائية
غبتَ.. وأنا متيقنة من أنك ستعود، لأنه لم يعد هناك متسع من عمر الحب المعدود، للهجر والصدود.. لذا، بلا شك.. ستعود.. غبت..أعلم أن غيابك حقيقة، وأن حضورك وهم، وأن حبي في داخلك موؤود، ورغم كل هذا، توشوشني حاستي السادسة النسائية، وتؤكد لي أن ذاك القريب – البعيد.. حتما سيعود.. غبت.. وفي القلب جرح ينزف يذكرني بك، وفي الأغنيات حزن مستتر يذكرني بك، وفي العين دمع معتق لا يسيل إلا بسببك، وبين خطوط كتاباتي، ألمحك.. وكل أشيائي تهمس لي بتواطؤ أنثوي: «لاتغادري، فمهما طال الزمن..سيعود..».
غبت.. ونما الألم في داخلي وامتد كشجرة عملاقة في غابة استوائية، وطوقني بحر الأحزان من الجهات الأربع وكأنني جزيرة نائية، وبلغ طول وجعي الشاهق عنان السماء، حتى صرت شبيهة ببطلات القصص الخرافية، لكنني رغم كل هذا، أعلم أنك ستعود.. غبت.. خذلت، هجرت، قسوت، خنت.. تلذذت بتعذيبي بمنتهى السادية، وغرزت أنياب الغدر في أوردتي وتركتني على قارعة النسيان، كجثة مجهولة الهوية، وعندما نهضت من رمادي كطائر الفينيق، أقسمت بأن أقتص لعواطفي المستباحة، وأشن عليك حربا باسم الحب، ستُقرع طبولها حالما تعود.. غبت.. لكنك ما غبت عن أحلامي، ولم يحدث أن نسيت التفكير فيك في صحوتي ومنامي، وكأن عقلي الباطن يصر على تذكيري بأوهامي وآلامي، وكأن الاقتيات على وجبة حبك، أهم مجريات أيامي.. سأتناول المزيد من بقايا وجبة الحب المحترقة، إلى أن تعود.. غبت.. وما غبت عن كتاباتي.. غبت، وما تركت لي المعاناة التي أورثتني إياها مكانا شاغرا لتكفين جثة عشقك المتحللة ولملمتها داخل حقائب خساراتي، ولم يعد لدي شيء أهدر فيه وقتي، عدا جمع رماد الذكريات، في انتظار أن تعود.. غبت.. وبين وجه ووجه، أراك، وبين كلمة وكلمة، لا أخط سواك، وفي كل مرايا الحزن البابلي، أراك، تراني أصبت بعدواك، ولن أشفى منك قبل أن تعود..؟
غبت.. وصوتك الساكن في أذني يختزل كل الأصوات، واستحضاري لك في كل ساعة يختصر المسافات، أيا من صرت في حياتي القاعدة الوحيدة التي ما عثرت لها على استثناءات، أخبرك بأن هذياني وهلوساتي ونزيفي وكل ما جنيته منك من ويلات، مستمرة.. حتى تعود.. غبت.. وتذكرت قولك ذات مرة: «إن لكل شيء نهاية قد لا تكون سوى بداية جديدة»، لكنك بدأت بالنهاية، وأجلت البداية، ومرت سنين عديدة، وأنا أحاول جاهدة فك خيوط كرة العشق المبعثرة بين البدايات المحتملة والنهايات غير المتوقعة، علك تعود.. غبت.. وكمن صحا لتوه من غيبوبة استمرت لمدة طويلة خارج الزمن.. أدركت أن حبك كان كذبة نيسان، وأن وعودك قابلة للانصهار والذوبان، وأنك رجل التناقضات بامتياز، وأنك أحجية الأحجيات، لكنك لا محالة.. ستعود.. غبت.. وأنا في مقبرة الحب بمحاذاة نعش الذكريات، أنتظرك، لأبدأ مراسم تشييع ما كان بيننا، وأعلم أنك ستعود.. أيها الرجل العاشق لعلم الإجرام العاطفي، سأقتلك في إحدى رواياتي، وسأضع لك نُصبا تذكاريا في شارع خيباتي، ريثما تعود..
ساحة النقاش