فلاش بريس - المصطفى مورادي
هذه حقيقة دراسة دولية حول قراءة العربية في التعليم الابتدائي
دائما ينقسم الشارع السياسي والتربوي والاجتماعي في التعامل مع نتائج التقويمات الدولية إلى فريقين، فريق يتهم الجهات التي تقوم بهذه الدراسات بالانحياز لأطروحات «لا وطنية» تروم توجيه القرار التعليمي لخدمة أجندات القوى العالمية الكبرى، ويستندون في ذلك إلى أدلة كثيرة، آخرها استناد نور الدين عيوش في مذكرته حول اللغة الأم على نتائج الدراسة الأخيرة التي أنجزتها اليونسكو للتعليم المغربي، وهو ما يعد في نظرهم تبخيسا لحق المغرب، كأمة، في صناعة نموذج تعليمي وطني ومستقل بعيد عن الإملاءات الأجنبية، وفريق آخر، يرى في المعايير التي تعتمدها مختلف المنظمات الدولية نسبة كبيرة في الموضوعية، وبالتالي فنتائجها يمكن الاعتماد عليها في اتخاذ القرار التربوي والتعليمي الذي يحقق رهان الجودة، كأحد الرهانات المصيرية لأي منظومة تعليمية، والمثير للانتباه هو انعدام أي حوار جدي بين الفريقين، بالرغم من انتمائهما معا لمنظومة التربية والتكوين بالمغرب. فمن جهة، تصر الوزارة منذ 1997 على المشاركة الدولية في مختلف هذه التقويمات، بما في ذلك المشاركة في الدورات المقبلة التي ستبدأ سنة 2015، وقد حاولت استثمار نتائجها في الميثاق الوطني للتربية والتكوين وكذا المخطط الاستعجالي. ومن جهة أخرى، يوفر الفريق المتهم والمشكك في نتائج هذه التقويمات الأرضية المناسبة لمختلف التوظيفات الحزبية والنقابية والإعلامية، والتي لا تؤدي في المحصلة إلى تأجيل النظر الجماعي في واقع منظومتنا التربوية بنزاهة وحياد، ولعل نتائج الدراسة الأخيرة التي أصدرتها اليونسكو تعطي الدليل على الانعدام التام للتواصل بين هذين الفريقين.
فقد عادت قضية التقويمات الدولية التي تخضع لها المنظومة التربوية المغربية إلى واجهة النقاش الوطني، بعد ظهور نتائج دراسة أنجزتها مديرية المناهج بشراكة مع المنظمة الأمريكية) أوسايد( وكذا جامعة الأخوين، والتي وإن كانت شملت عناصر كثيرة من المنظومة التربوية، غير أن توظيفها سواء من طرف مدير المناهج بوزارة التربية الوطنية أو من طرف الوزير نفسه، يفرض طرح مشكلات حقيقية إزاء هذه التقويمات، أولا لكون التعليم المغربي أضحى مستباحا من طرف مجموعة من المنظمات الدولية، التي يختفي بعضها وراء قوة سفارات الدول الغربية المتواجدة بالمغرب، وبعضها يختبئ وراء منظومة الأمم المتحدة، وثانيا من جهة «الخبراء» الذين يرتزقون بهذه التقويمات، ولكن من جهة أشكال توظيفها إعلاميا وسياسيا، وهم محدودو العدد، ينتمون لقطاع التربية والتكوين ببلادنا، واستطاعوا عبر شبكات علائقية أن يكونوا «عملاء» برتبة محميين في منظومة التربية والتكوين، إذ تمنحهم هذه المنظمات مقدرة على أن يتحولوا إلى أدوات تمارس الرقابة والأستاذية الزائفة على كل المسؤولين التربويين، فبالقليل من التحكم في اللغة الإنجليزية أو الفرنسية، يستطيع هؤلاء أن يعدوا مشاريع دراسات يتقدمون بها لهذه المنظمات، وعبر شبكة اتصالات على صعيد السفارات، يستطيعون بسهولة نيل الموافقة والمساعدة اللازمة من هذه السفارات، والأهم هو حجم التعويضات التي يحصلون عليها وهي خيالية جدا، ونظرا لكون مشاكل التعليم المغربي لا تنتهي فإن هذا يضمن مصدر رزق لا ينضب لهؤلاء.
فدراسة (USAID) الأخيرة، تناولت قضية تعلم قراءة اللغة العربية في التعليم الابتدائي في دراسة شاملة، للمناهج والكتب المدرسية وكل الوسائل التعليمية والموارد البشرية والسياسة التعليمية ومناهج تكوين الأساتذة المتدربين، وتم التوصل إلى استنتاجات تهم الكتب المدرسية، والتي تعد مديرية المناهج مسؤولة عنها من ألفها إلى يائها، إذ أشارت الدراسة إلى أن الكتب المدرسية تعاني من نقص العناصر الرئيسية التي تساعد الأطفال على تعلم القراءة: نقص في القدرة على تمييز وتفعيل الأصوات المختلفة لتشكيل الكلمات (الوعي الفونيمي)، ومن حيث المبدأ الأبجدي، توصي الدراسة بوجوب الاعتماد على أبحاث علمية في تدرج ترتيب الحروف، ثم إن قراءة النصوص «المصنّفة حسب المستوى» والتدرج من الحروف إلى المقاطع إلى الكلمات، الذي يُسَهِّل فكّ الكلمات، غير موجودة في كتب السنوات الثلاث مجتمعة، وهذا يعني أن التلميذ لا يكتسب الأدوات الضرورية لقراءة كلمات جديدة، وبالتالي يجد صعوبة في قراءتها بسهولة وفي فهم نص القراءة، أما من حيث الطلاقة، أي السهولة والسرعة والدقة والفهم في القراءة الشفهية والصامتة، فلا تؤخذ بعين الاعتبار كما أنه لا توجد استراتيجية تعالج الطلاقة في القراءة، ثم إن المفردات التي تعتمدها الكتب المدرسية صعبة، ويجب التشجيع على استخدام الفصحى الحديثة وتعزيزها في مرحلة دور الحضانة ورياض الأطفال وفي أنشطة القراءة في المنزل، كما يحتاج التلاميذ إلى مواد للقراءة إضافة للكتاب المدرسي.
وانتهت الدراسة إلى طرح أسئلة تتعلق بالتعليم الأولي، وهو معضلة حقيقية بالنسبة للمغرب ككل، إذ في الوقت الذي يبدأ فيه تعلم القراءة والكتابة في السنة الثالثة، فإن التلاميذ المغاربة يتفاوتون في الحصول على هذا الامتياز، إذ أن التمدرس الرسمي لا يبدأ إلا عند سن السادسة، وهنا نتذكر أن الوزير السابق محمد الوفا كان وراء توقيف انخراط الوزارة في التعليم الأولي سنة 2012، بحجة أن الدولة المغربية لا يمكنها تحمل التعليم الأولي، لأنه يوجد في المغرب اليوم حوالي مليون و600 ألف طفل بين 4-6 سنوات، ويحتاج إلى حوالي 15 ألف مربية بمعدل 30 طفلا في القسم.
إذن فالدراسة كانت شاملة، لكن لأنها تضع مديرية المناهج في قلب الاتهام، لكونها هي التي تبنت كل المناهج الدراسية الحالية، فضلا عن كونها هي التي منحت الترخيص للمؤلفين، وتم اختيارهم «بعناية»، فضلا عن مسايرة جشع الناشرين والموزعين من خلال تخريجة التعدد، وحرص الوزارة على توزيع مناطق النفوذ لهؤلاء، فإن مدير المناهج وتبعه الوزير بلمختار في هذا، صب كل انتقاداته على رجال التعليم، مع أنهم جزء فقط من الدراسة، دون أن نغفل أيضا مشكلة علمية حقيقية سقط فيها «خبراء» الدراسة، وتتعلق باختيارهم للعينة والتي لم تكن ذات تمثلية نهائيا، فالخطأ الذي سقطوا فيه لم يكن ليسقط فيه طالب في السنة الأولى لأي شعبة من العلوم الإنسانية، وهذا باعتراف مجموعة من الباحثين في مجال العلوم الاجتماعية وعلوم التربية، ممن اطلعوا على الدراسة ونتائجها.
لذلك سمعنا مدير المناهج يقول أن الدراسة تؤكد أن أزيد من 47 في المائة من مدرسي التعليم الابتدائي، «يعتقدون أن تلاميذهم غير قادرين على تعلم القراءة، في حين أن 32 في المئة من الأساتذة المتدربين في مراكز التربية والتكوين لهم نفس الرأي"، ليضيف أن هناك 32 ألف قسم متعدد المستويات من مجموع 130 ألف قسم، حيث أن جل الأساتذة غير راضين عن الوضع مع اعترافهم بعدم امتلاك الكفاءة اللازمة لتعليم تلاميذ من مستويات متعددة، نفس المسؤول استند أيضا إلى نتائج تقويم تعود لسنة 2011 في موضوع القراءة وهو تقويم "بيرلس»، هذا التقويم يزكي نفس التوجه، وهو ضعف التلاميذ المغاربة في هذه الكفاية الأساسية.
إذن فما بين عدم معرفة أغلب الإعلاميين الذين حضروا ندوة مديرية المناهج بحقيقة الدراسات الدولية عموما، والجهة التي تقف وراءها، ونوعية «الخبراء» المغاربة الذين يسترزقون بها، ثم وجود توجه وزاري واضح منذ مجيء الوزير الحالي رشيد بلمختار لتحميل رجال التعليم مسؤولية الفشل، وهو توجه بدأ منذ الوزيرة السابقة لطيفة العابدة، مع أن المطلوب في المرحلة الحالية هو العمل على توحيد الصفوف من جديد بعد «فتنة» البرنامج الاستعجالي، لأنه لا يمكن ربح رهان أي إصلاح مهما كان بدون ربح رهان الموارد البشرية، فعندما يكتشف رجل التعليم بأنه مستهدف ظلما، فإنه سيكون أول من سيعيق أي إصلاح. فإذا كانت الوزارة في حاجة فعلا لإجراء تقويم لأداء رجال التعليم، فإنها أيضا في حاجة إلى تقويم أداء كل مكونات المنظومة بدون استثناء، وتحميل المسؤولية لكل من ثبت في حقه أي تقصير أو تواطؤ مع الفساد مهما صغُر أو علا شأنه.
ساحة النقاش