فلاش بريس - المصطفى مورادي
لهذا نجح منتدى حقوق الإنسان
رغم كل ما قيل وسيقال عن المنتدى الدولي لحقوق الإنسان، فإني أعتقد أنه حقق أهدافه، ولست هنا أرمي الورود لأي جهة أو شخص، كما يقول الفرنسيون، لأنه سواء كنا في الطرف المشارك، والذي استطاع أن يوصل صوته ورأيه ومشاريعه، من خلال المداخلات والعروض والمساحات التي أتاحها له المنتدى، أو كنا رافضين وممتنعين عن المشاركة، فإن المنتدى شكل فرصة لهذا الطرف أيضا بأن يشارك من خلال إصراره على إظهار رفضه.
فإذا كان الطرف «المقاطع» يعتقد أن المنتدى يشكل «فرصة للنظام لكي يحسن من صورته»، بحسب مجموعة من البلاغات الصادرة في هذا الشأن، فإن مشاركته هو أيضا بفعالية على هامش المنتدى، دون أن يحصل أعضاؤه على «بطائق مشاركة»، وحرصه على أن يستغل عالمية الحاضرين لكي يوصل صوته، يجعله مستفيدا هو أيضا، بل وساهم كذلك في إنجاح المنتدى، لأن المنتدى أظهر أن إيصال الرأي لا يحتاج لباقة مشاركة معلقة على الصدر، وكرسي وثير ولطاولة مزخرفة عليها ورود، بل إن مجرد وقوف «معارضي» المنتدى في الأمكنة التي تحتضن فعالياته، هو اعتراف صريح بعالمية المنتدى، وبكونهم هم أيضا جاؤوا لإيصال أصواتهم للعالم. وهنا تصبح الإمكانية التي أتيحت لإدريس اليزمي ومصطفى الرميد وغيرهما للعالم، هي نفسها الفرصة التي أتيحت لخديجة الرياضي وعبد الحميد أمين وغيرهما، والفرق البسيط بينهما، هو فرق في العلاقات العامة لا غير. فالأولان يحملان بطاقة مشاركة (badge) والآخران لا يحملانها.. صحيح أن طرفا وجد داخل القاعة والآخر خارجها، لكن كل طرف استطاع أن يُسمع صوته. فعندما كانت بعض وسائل الإعلام تتزاحم لنقل وجهة نظر اليزمي، كانت وسائل إعلام أخرى تتزاحم لنقل وجهة نظر معارضيه.. ولنلقي نظرة على المواقع الإلكترونية لكبريات الجرائد، فسنجد صورة للرميد وإلى جانبها صورة للرياضي..
لذلك فمن زار قرية المنتدى، رأى المغرب الجديد ماثلا أمام عينيه، فإن كان من إقصاء فهو إقصاء بعض التيارات لأخرى عندما هبت ونسفت نشاطها لمجرد الاختلاف. وبغض النظر عن بعض هذه المنزلقات التي سقطت فيها بعض الحوارات، والتي انتهت إلى التشنج وتبادل البعض كلمات الإقصاء كما قلنا، فإن الجميع قال رأيه وعبر عنه بوضوح. فبعد أن كان حوار المغاربة قبل المنتدى في القضايا الحساسة حوار طرشان، حيث يعقد كل تيار ندوته ومحاضرته ويقيم نشاطه ويستدعي له المشابهين دون المخالفين، فقد استطاع المنتدى أن يتيح لجميع الأطراف فرصة أن تتواجد، مهما كانت وسيلة التواجد، حيث التقى وجها لوجه، ولأول مرة هؤلاء الذين يطالبون بحرية المعتقد بأولئك الذين يعتقدون بضرورة تطبيق حد الردة، ثم التقى أيضا هؤلاء الذين يطالبون بالعلمانية بأولئك الذين يطالبون بتطبيق الشريعة. والتقى المدافعون عن زمن البصري بأولئك الذين يطالبون بزمن بنزكري، والتقى المطالبون بالحرية الجنسية والمثليون والسحاقيات بالذين يطالبون بتعدد الزوجات وتطبيق حد الزنا واللواط، والتقى المطالبون بإلغاء عقوبة الإعدام بأولئك الذين يطالبون بالقصاص العادل، والتقى القضاة بالمتقاضين.. بل والتقى السجين بالسجان.
إذن يجب أن نعترف بأن المنتدى أتاح للجميع، وطنيين وانفصاليين، إسلاميين وعلمانيين، إصلاحيين وثوريين، باحثين ومتعلمين، نقابيين وجمعويين، (أتاح لهم) بأن يعبروا عن آرائهم دون خوف أو خجل، وقالوا بوضوح ما يؤمنون به، أو ما توصلوا إليه، فسألوا واستفسروا وحاججوا وأقنعوا وضحدوا... مهما كانت وسيلتهم في ذلك، لأن العالم كله يسمع ويرى، بما في ذلك، تيارات اضطهدت نفسها قبل المنتدى لتجد ذاتها تعبر عن رأيها دون أن يضطهدها فعليا أي أحد.. والأهم هو أنه طوال الأيام الأربعة كان كل شخص من هؤلاء يعود مساء إلى منزله أو حانته أو مسجده، مطمئن البال تماما، دون أن يخشى «زوار الليل» الذين كانوا يأخذون الناس بالنوايا قبل الأقوال والأفعال، كما كان الأمر معمولا به في سنوات الرصاص، والتي لم يتجرع مرارتها أغلب الشباب المندفع الآن، والذي ينظر بحساسية لوجود شرطي قرب المنتدى.. دون أن تكون له فكرة عن البوليسي الذي كان يضع معارضي النظام في «الخناشي» وصناديق السيارات..
وسؤالي للجميع: هل كان المغرب قبل عشرين سنة من الآن، وهي مدة صغيرة جدا قياسا لعمر أمة، قادرا على احتضان كل الفاعلين والباحثين وأصحاب الدعاوى في حقوق الإنسان عبر العالم؟ ما هي الدولة العربية أو المتوسطية القادرة على فعل ذلك دون أن يسبب لها حرجا؟
لسنا نقول إن المغرب هو جنة حقوق الإنسان، وإنه بلغ الكمال، بل ومن السذاجة ادعاء ذلك، لأنه من حسن حظ البشرية أن الكمال لا يعد صفة لها أو جزءا من تعريفها، بل لأننا بصدد مغرب لم يعد يخشى الانفتاح، مغرب لم يعد يخشى أن يعرف العالم آراء معارضيه، مغرب يصحح مساره في الديمقراطية وحقوق الإنسان.. وليس من الضرورة أن يكون إسبانيا أو إنجليزيا كما يطالب البعض، أو يكون جزائريا وموريتانيا كما يخطط البعض، بل ليكون المغرب مغربا وكفى.
ساحة النقاش