فلاش بريس - المصطفى مورادي
رشيد بلمختار بصدد مراجعة وضعية «اللاتركيز الإداري» لنواب الوزارة في الأقاليم
في الوقت الذي يعتبر فيه قطاع التربية الوطنية من القطاعات السابقة لتبني بعض مقولات التدبير الإداري الحديث، من قبيل اللاتمركز والجهوية، فإن وضعية النواب الإقليمين تحديدا، تعد أبرز أوجه المفارقة في هذا التوجه، ففيما اتجهت الدولة سابقا في تسييرها للمرافق العمومية للتربية وتصريف أمورها الإدارية إلى حصر جميع اختصاصاتها في يد الإدارة المركزية في العاصمة، فإنها ابتداءا من سنة 2000، قامت بأولى خطوات تبني الجهوية على مستوى تدبير هذا القطاع الحيوي، عبر توزيع الاختصاصات التي كانت تحتكرها إلى كيانات جهوية لها استقلال معنوي ومالي تسمى بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وذلك بموجب قانون يحمل رقم 007، وتقوم فلسفته على أن يمارس الموظفون المركزيون مهام وضع خطط تفعل السياسة الحكومية للقطاع، على أن يتكفل موظفون آخرون موزعون على المصالح الخارجية المختلفة التي تنوب عن السلطة المركزية في شتى الجهات والأقاليم والعمالات بإيجاد طرق تدبيرية لهذه السياسة، آخذين بعين الاعتبار خصوصيات الجهات الموكلة لهم، بحيث تترك لهم سلطة البت في الملفات التي يحددها هذا القانون، غير أن الغياب التام لأي مواد في هذا القانون تخص وضعية نواب الوزارة، يضرب في الصميم فلسفة الجهوية كما يشرع لها هذا القانون، لاسيما عندما نجد أن الوزارة هي التي تعين النواب وتقيلهم وتنقلهم وتمدد فترات عملهم، وبالتالي فالوضعية الفعلية للنيابة الإقليمية، هي نوع من التدبير الممركز الواضح، حيث لا تتمتع النيابة بشخصيتها المعنوية وإنما تعتبر ممثلة للسلطة الإدارية المركزية، وفي نفس الوقت يعتبر النائب الإقليمي عضوا في المجلس الإقليمي، والذي يفترض أنه شكل من أشكال التدبير الإداري المحلي، وهو أيضا عضو معني بقرارات المجلس الإداري للأكاديمية التي يشتغل تحت إمرتها.
النواب ووضعية البين-بين
ملف هذا العدد إذن حول أحد أبرز مشكلات التدبير في منظومة التربية والتكوين بالمغرب، والتي لازمت تاريخ وزارة التربية الوطنية، ويتعلق الأمر بوضعية النيابات الإقليمية للوزارة، وعلاقة النواب بالوزارة والمصالح المركزية وكذا بمديري الأكاديمية، بل وبعمال الأقاليم، فإذا كان عمل هؤلاء الأخيرين، محكوما بقانون 007 المحدث للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، والذي يحدد بوضوح صلاحيات ومهام الأكاديميات، وكذا كل ما يتعلق بميزانيتها وتسييرها وتدبيرها، فإن النيابات لا تتوفر إطلاقا على أي نص، واضح وصريح بهذا الحجم يحدد للنائب الإقليمي حدود صلاحياته ومهامه، فمن جهة هو تحت السلطة المباشرة للمصالح المركزية للوزارة، وعلى رأسها الوزير طبعا، إذ يمكن لأي مصلحة مركزية مراسلة النائب في أمر يهم إجراءا معينا، كما يمكنها متابعة تنفيذ هذا الإجراء، لذلك فالمصالح المركزية هي التي تعين النواب وتقوم أداءهم وتعفيهم وتقيلهم وتنقلهم، وفي نفس الوقت هم أعضاء في مجلس إداري للأكاديميات، وهو المجلس الذي يفترض أنه يُدبر بمجلس إداري ويسير بمدير، يفترض فيه هو أيضا أن يكون معينا وفقا لمشروع مُقنع، وفي نفس الوقت أيضا، فالنواب هم أعضاء في مجلس إقليمي، لذلك فهم مضطرون لتقديم حصيلة عملهم، ليس فقط أمام الوزارة أو المجلس الإداري للأكاديميات، بل وأمام العامل الإقليمي للعمالة أو الإقليم، لكون العامل هو المدبر الفعلي لهذا المجال الترابي، وبالتالي فهذا التعدد في الارتباطات له عدة تجليات سلبية على مستوى حكامة التدبير المحلي خاصة.
فهناك حالات كثيرة، يكون فيها النائب الإقليمي، مضطرا لأن يدير ظهره لمذكرة وزارية من أجل أمر عاملي صادر من عمال الإقليم، والذي يقدم تقريرا لرؤسائه في وزارة الداخلية حول مدى تجاوب النائب الإقليمي مع أوامره، وأحيانا يضطر النائب لإدارة ظهره لقرار مُتخذ على صعيد المجلس الإداري في الأكاديميات لكون المصالح المركزية طالبته بشيء آخر، وهي أيضا تكتب تقاريرها عنه أيضا، لذلك فما بين التبعية المباشرة للوزارة، والتبعية الإدارية للأكاديميات والتبعية غير المباشرة للعمال، يصبح عمل النواب أصعب بكثير من أي منصب آخر على صعيد وزارة التربية الوطنية، بما في ذلك منصب مدير الأكاديمية نفسه، لكون هذا الأخير يعرف جيدا حدود تدخله وصلاحياته وميزانيته، بينما النائب الإقليمي هو الشخص الذي عليه أي ينصت بشكل مباشر لطلبات الأطر العاملة بالميدان، مدرسين وإداريين وتلامذة وآباء وغيرهم، وفي نفس الوقت عليه أن يقنع مدير الأكاديمية على نحو «شخصي» بالميزانية التي يحتاجها لمواجهة المشكلات التي تواجهه في منطقة «نفوذه»، وهي منطقة نفوذ يحددها تقطيع ترابي تابع لوزارة الداخلية، وفي نفس الوقت هي منطقة نفوذ تحت سلطة مدير الأكاديمية بموجب قانون تابع لوزارة التربية الوطنية، وهذه مفارقة حقيقية، والسؤال المطروح، هو على أي أساس تتم محاسبة النواب وإقالتهم أو محاكمتهم أو تهنئتهم أو تعيينهم أو نقلهم في غياب مرجع واضح لتقويم أدائهم؟ ثم ماهي مواصفات النائب الإقليمي الناجح؟ هل هو الذي يحسن الاستجابة لأوامر العمال الإقليميين أم لمديري الأكاديميات أم للمصالح المركزية؟
في ظل غياب جواب حاسم على هذه الأسئلة، يبقى المجال مشرعا للاجتهاد الشخصي المحفوف بالكثير من العشوائية والمغامرة، والمشوب بالكثير أيضا من التعسف أحيانا والتقدير الشخصي سواء للوزير أو للمحيطين به أحايين كثيرة، إذ أن هناك حالات كثيرة لنواب رفضوا تلقي الأوامر من مديري الأكاديميات، وهم على حق في هذا، لكون الوزير هو من يعينهم أو يقيلهم، لكن في المقابل هناك نواب لا يستطيعون اتخاذ قرار دون العودة رؤسائهم الجهويين، لكونهم يدبرون مؤسسات تحت سلطتهم، لكن مديري الأكاديميات لا يمكنهم حمايتهم إذا ما أغضبوا الوزارة المركزية بقرار أو إجراء، فكم من نائب تمت إقالته لسبب لا يتعلق بمهامه في تنفيذ سياسة الوزارة في الإقليم أو في تدبير سياسة المجلس الإداري للأكاديمية، بل فقط لأن هناك تقارير كتبها عمال الأقاليم عنهم، وكم من نائب تمت ترقيته إلى إقليم أفضل أو إلى منصب أكبر بالرغم من أنه كان في صراع واضح وعلني مع مدير الأكاديمية، وكم من نائب تمت محاسبته بشدة على أخطاء سببها أوامر صدرت له من مدير مركزي أو مدير جهوي، إلى غير ذلك من أشكال التدبير غير الشفاف الذي تعيشه النيابات الإقليمية يوميا.
فمن الناحية القانونية، يمكن للنواب اتخاذ بعض الأعمال والقرارات، والبت فيها نهائيا دون حاجة إلى طلب المصادقة عليها من طرف الوزير أو مدير الأكاديمية، قبل الشروع في تنفيذها، غير أنه لا يتوفر على ميزانية خاصة به، اللهم إلا التي يضعها مدير الأكاديمية تحت تصرفه، لذلك فوضعيتهم هي أقرب إلى «آمرين بالصرف مساعدين»، فإن كان من مزايا هذه الوضعية أنها تسمح للنائب الإقليمي باتخاذ القرارات المستعجلة التي تتطلبها الضرورات المحلية دون الرجوع إلى السلطة المركزية، فإن من سلبياتها احتفاظ السلطة المركزية والجهوية بسلطة إصدار التعليمات وحقها في تعديل وإلغاء قرارات السلطة المحلية وحقها في أن تحل محلها، فضلا عن عملية تعيينهم أو تنقيلهم أو محاسبتهم أو إعفائهم والتي قد لا تكون ديمقراطية في كثير من الحالات، وهناك نماذج كثيرة على ذلك.
ساحة النقاش