فلاش بريس - المصطفى مورادي
خوان غويتصولو العاشق لكتابات ابن عربي وابن حزم وجلال الدين الرومي
فاز الكاتب الإسباني خوان غويتيسولو (83 عاما) بجائزة ثرفانتيس، التي تعتبر إحدى أعرق الجوائز في الأدب الإسباني. وكافأت لجنة التحكيم المؤلفة من 11 عضوا، هذا الكاتب العالمي «لقدرته على التحقيق في اللغة وعباراته المعقدة من ناحية الأسلوب التي طورها في عدة أنواع أدبية»، فضلا عن «عزمه إشراك جانبي الأطلسي (...) ورهانه المتواصل على الحوار بين الثقافات».
ولد الكاتب في برشلونة عام 1931، وهو صاحب روايات ومحاولات أدبية. وانطلقت مسيرته الأدبية سنة 1954 مع «لعبة الأيدي». ومنع جزء من أعماله في عهد ديكتاتورية فرانكو التي كان يعارضها. يروي خوان غويتيسولو أنه اكتشف إسبانيا الفعلية بعد سن العشرين خلال تأديته الخدمة العسكرية، موضحا «أنه في هذا البلد إن ولد الشخص في طبقة برجوازية فهو يجهل كل شيء عن الطبقات الأخرى». ومنع كتابه الذي يتناول إسبانيا هذه وهو بعنوان «للعيش هنا».
ويعتبر الكاتب من كبار منتقدي الحضارة الغربية، وعاش طويلا بين إسبانيا وفرنسا، حيث كان مستشارا أدبيا لدى دار «غاليمار» للنشر وتزوج من فرنسية. وهو يقيم الآن في مراكش منذ حوالي عشرين عاما. ومعروف عنه أيضا دفاعه عن العالم العربي.
لخوان غويتيسولو، الذي درس الأدب أيضا في الولايات المتحدة، حوالى 15 راوية، منها «المنفي من هنا أو هناك» و«عندما تسدل الستارة» (2005). وهو شقيق الشاعر الراحل خوسيه أغوستين غويتيسولو والروائي لويس غويتيسولو.
وتترافق جائزة ثيرفانتيس مع مكافأة مالية قدرها 125 ألف أورو. ومنحت في العام 2013 للمكسيكية إيلينا بونياتوفسكا وقبلها إلى الإسباني خوسيه مانويل كاباييرو بونالد. ومن فائزين السابقين البيروفي ماريو فارغاس يوسا (1994) والأرجنتيني إرنستو ساباتو (1984) والمكسيكي أوكتافيو باز (1981).
يعتبرالأديب خوان غويتيسولو من أبرز الكتاب الإسبان في الوقت الراهن، لما يمتاز به من صوت أدبي متفرد بين باقي الأدباء الإسبان، ولنوعية كتبه ورواياته المتعددة، التي أثارت جدلا ما زال يسمع صداه إلى الآن ليس في إسبانيا وحسب، بل في مختلف الأوساط الأوربية والأمريكية لجرأتها وخاصيتها وإشكالية الإبداع فيها، التي تنطلق من التعامل مع اللغة من منظور تفجيرها وتفكيكها وتغيير مسارها، وإعطائها نفسا وزخما إبداعيا خلاقا. كما أنه يعتبر مثالا للاستقلال الفكري والثقافي، وممثلا للتجديد في الأدب الإسباني المعاصر. .
يقول غويتيسولو، في معرض إبدائه إعجابه بالمسلمين وتراثهم وحضارتهم ولغتهم: «إن استيعابي وتمثلي للفضول الأوربي الشره، جعلني أتحول شيئا فشيئا إلى مواطن إسباني من نوع آخر، عاشق لأنماط الحياة والثقافات واللغات من مختلف المناطق الجغرافية.. لا ينحصر عشقي وإعجابي وولهي بكيبيدو، أو غونغورا، أو ستيرن، أو فولتير، أو مالارميه، أو جويس، بل يتعداه كذلك إلى ابن عربي وأبي نواس، وابن حزم، وإلى التركي جلال الدين الرومي مولانا.
هناك عوامل إيجابية، وطاقات إبداعية هائلة مختلفة من كل نوع لهؤلاء وأولئك على حد سواء، فعندما يكلف المرء نفسه عناء تعلم لغة صعبة جدا مثل اللغة العربية، وقد جاوز السبعين من عمره، فإنه ينبغي أن تكون هناك دواعٍ عميقة جدا لذلك (الكاتب الأرجنتيني المعروف خورخي لويس بورخيس قرر تعلم اللغة العربية كذلك عندما ناهز سنه الثمانين)، والحقيقة أن الدواعي موجودة.
فأنا أعتقد أنه يستحيل فهم الثقافة الإسبانية وهضمها بشكل شامل ودقيق بدون استيعاب التراث الإسلامي، ومعرفة الثقافة العربية، وكلما دخلت في هذه الثقافة، تأكدت لي بشكل جلي قيمة وأهمية ما ورثناه عن تلك القرون للوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الأيبيرية».
ويردف الكاتب قائلا في السياق نفسه: «هناك من ناحية أخرى جانب المودة في العلاقات الإنسانية التي انعدمت في المجتمع الأوربي الذي أعيش فيه وأنتمي إليه. ففي مدينة مراكش، على سبيل المثال، يمكنني أن أكتب وأن أقرأ، كما يمكنني في الوقت ذاته الخروج للنزهة والتحدث إلى الناس البسطاء، وليس مثل ما هو عليه الأمر في باريس ونيويورك اللتين انعدمت فيهما العلاقات الإنسانية وتلاشت».
ويشير غويتيسولو إلى «أنه يشعر بتعاطف كبير نحو الثقافة الإسلامية، فقد قرأ نصوصا دينية إسلامية كثيرة، وهي نصوص تهمه جدا، إنه يقرؤها مثلما يقرأ أعمالا لماغلان، أو ابن عربي المرسي، أو سان خوان دي لاكروث، بمعنى أنها تبدو له وسيلة تعبير أدبي راقٍ جدير بالإعجاب والتقدير».
ولد خوان غويتيسولو في برشلونة عام 1931، وبدأ يكتب القصص والروايات منذ كان عمره 23 سنة (عام 1954)، وتحمل أولى رواياته عنوان «لعبة الأيدي»، التي وضعته في مصاف كتاب الواقعية السحرية غداة الحرب. استقر في باريس منذ عام 1956، وبعد أن انتقل بين كوبا ومدينة ألميرية الإسبانية، بدأ في كتابة نوع جديد من الإبداع الروائي الذي سيتميز به منذ ظهور روايته الشهيرة «علامات هوية» عام 1966، والتي يقدم فيها نظرة مضضٍ وتقززٍ عن إسبانيا على عهد الجنرال فرانكو على لسان «ألفارو ميننديولا» الذي كان في الواقع يعبر وينطق باسم الأنا الآخر للكاتب نفسه.
ومنذ أوائل الثمانينات من القرن المنصرم، انتقل خوان غويتيسولو إلى إقامته الدائمة التي حددها بين مديني باريس ومراكش، حيث استقر بصفة دائمة في المدينة المغربية منذ عام 1996، والتي أهداها روايته الكبرى «مقبرة» (1980)، ومن أعماله الأخرى: «الإشارات»، و»صراع في الجنة»، و«السيرك» و«الجزيرة» و«نهاية الحفل»...وسواها من الأعمال الإبداعية الأخرى، مثل «لمحة بعد المعركة»، و«ملحمة ماركس»، و«موقع المواقع»، حيث تمتزج في هذه الأعمال جميعها هواجس الحياة وتداخل الأزمنة وتوارد وتواتر الأصوات، والتصوف والأبيات الشعرية العائدة لأرثيبيستي دي هيتا، وإشكاليات الهجرة وتطور اليسار بعد سقوط جدار برلين، وحرب البلقان والعالم العربي والإسلامي.
تنضاف إلى ذلك أعمال شكلت سيرته الذاتية أو مذكراته، مثل «منطقة محظورة»، ومن أشهر كتبه في العالم العربي كتابه المترجم للغة العربية إسبانيا في مواجهة التاريخ.. فك العقد حيث يدافع فيه عن الثقافة العربية، ودورها في التقريب بين الشعوب وسواها من الأعمال الإبداعية الاخرى.
وهو حاصل على جائزة «فورمينتور» الدولية الأدبية لعام 2012، وكذلك على أكبر جائزة أدبية في أوربا، وهي «أورباليا» التي تمنح ببروكسيل، والتي تعتبر بمثابة «نوبل» في الآداب الأوربية، وعلى جائزة «أوكتافيو باث» في الآداب، وجائزة «الأدب الأمريكي اللاتيني والكرايب خوان رولفو»، و«الجائزة الوطنية للآداب الإسبانية»، وجائزة «بلانيطا» الإسبانية كذلك، بالإضافة للعديد من الجوائز الأدبية الرفيعة الأخرى في مختلف بلدان العالم
ساحة النقاش