http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

فلاش بريس = سعيد الباز

حتى أمريكا ليست اكتشافا أمريكيا!

أتت الانتخابات الأمريكية الأخيرة في الصورة التي اعتادتها الحياة السياسية في أمريكا، مع كل رئيس يقترب من إنهاء ولايته الثانية يفقد أغلبيته في الكونغرس، ويبدأ السباق الرئاسي. هنا يمتلك النظام السياسي الأمريكي بعضا من خصوصياته التي تجعل من الرئيس الذي يحزم حقائبه ويشرع في توديع البيت الأبيض، مشغولا أكثر بالتفاوض مع كونغرس معارض لسياسته من أجل اتخاذ قرارات حاسمة.
هذه الفترة المطبوعة عادة بالجمود أحيانا وبالتردد أحيانا أخرى، اعتادها الساسة عبر العالم، بل منهم من يرسم خططا ومواقف تبعا لهذه المرحلة الحساسة والمثيرة في الآن نفسه. ستنتهي قريبا الولاية الثانية لأول رئيس أسود في أمريكا، ومن الآن بدأ تقويم مرحلة الرئيس باراك أوباما وأدائه السياسي
.
يكاد يجمع المحللون السياسيون على أن أوباما، وعكس شعاره الطموح، كان لا يرغب أن يكون رئيسا ديمقراطيا غير عاد. لم يكن يريد أن يكون مثيرا مثل بيل كلينتون، أو حالما وطوباويا مثل جيمي كارتر، كل همه أن يكون رئيسا أمريكيا عاديا ينتمي إلى الحزب الديمقراطي. وكل رئيس ديمقراطي عادي يعني الانكباب على الشأن الداخلي الأمريكي، من دعم للطبقة الوسطى، وتوسيع حجم الرعاية الاجتماعية. أما السياسة الخارجية لأي رئيس ديمقراطي أمريكي فتتمثل في التقليل من أشكال التدخل المباشر في المناطق الملتهبة في العالم، أو على الأقل الحيلولة دون التورّط في صراعات طويلة المدى، واللجوء دوما إلى العمل الدبلوماسي لتحقيق الأهداف السياسية دون التخلّي عن دور شرطي العالم
.
إن ما يتنازع السياسة الأمريكية الخارجية على الخصوص، مبدأ الانعزالية الذي أعلنه الرئيس جورج واشنطون في خطاب وداعه للكونغرس، ملحا على أهمية أن تولي أمريكا ظهرها للعالم، ومبدأ الرئيس مونرو في بعض تفسيراته، والذي يرى ضرورة اهتمام أمريكا بمحيطها الخارجي وبالعالم
.
وانطلاقا من هذا المبدأ، بررت أمريكا لنفسها تدخلها المباشر في عدة دول، خاصة في أمريكا اللاتينية، ومبدأ الرئيس ترومان الذي يعتبر أن الولايات المتحدة ملزمة بالتدخل في أي مكان من العالم إذا كان ذلك من شأنه أن يحمي أمنها ومصالحها
.
لقد عمل الرؤساء الأمريكيون وفق هذه المبادئ التي تشكل ثوابتها السياسية، ولم يكن الرئيس أوباما مختلفا عن سابقيه من الرؤساء الديمقراطيين في أولوية الشأن الداخلي على الخارجي، كامتداد لمبدأ الانعزالية. فأثناء حملته الانتخابية ظل يؤكد رفضه للتدخل العسكري في العراق. لهذا عمل خلال ولايتيه على سحب جيوشه تدريجيا من العراق وأفغانستان، وفي النزاعات بخصوص أوكرانيا والملف النووي الإيراني، فضل دائما سياسة العقوبات الاقتصادية والمقايضة السياسية، وفي أقصى الحالات الاعتماد على الضربات الجوية أو استهداف الجهات المعادية بطائرات دون طيار
.
هذه السياسة أرغمت الإدارة الأمريكية على الدخول في مسلسل من المقايضات السياسية غير المضمونة التي أساسها التلويح بالجزرة مرة ومرة بالعصا. فبخصوص الملف النووي الإيراني أدركت إدارة أوباما مبكرا طموح نظام الملالي الإيراني إلى امتلاك القنبلة النووية الشيعية، على اعتبار أن الجمهورية الإسلامية المدافع الأول عن شيعة العالم، ولثني إيران عن مسعاها الاستراتيجي لوحت لإيران بجزرة القبول والرضى التام عن دور إقليمي محوري وأساسي في منطقة الشرق الأوسط، أو عصا العقوبات الاقتصادية المؤلمة والتي كانت السبب في مجيء التيار الإصلاحي إلى سدة الحكم في إيران. والحال أن إيران، بسبب تداعيات الأحداث، صارت تحكم قبضتها على أربع عواصم عربية، هي الآن في بغداد وإن أرغمت عن التخلّي عن نوري المالكي، وهي أيضا في دمشق ولا يستطيع الأسد أن يتصرّف دون إذن منها، هي في بيروت وفي شطرها الغربي بواسطة أداتها الضاربة حزب الله، وهي أخيرا في صنعاء بواسطة جيش الحوثيين الشيعة، تحكم سيطرتها على جزء كبير من التراب اليمني. إنها باختصار رقم صعب في منطقة الشرق الأوسط، وموجودة في كل المنافذ الاستراتيجية على الخليج والبحر الأبيض المتوسط، والبحر الأحمر، فضلا عن تأثيرها الواسع في السعودية والكويت والبحرين. فماذا يمكن أن تقدمه إدارة أوباما إلى إيران؟ لذلك فهي ستبقى متريثة أمام إغراءات أوباما
.
قريبا ستبدأ الحملة الانتخابية الأمريكية بين الحزب الجمهوري وشعاره «الفيل» والحزب الديمقراطي وشعاره «الحمار»، وستظل أمريكا تؤمن بنفسها شرطي العالم سواء كان الرئيس جمهوريا أو ديمقراطيا. ولا يمكن لنا إزاءها سوى أن نسخر مع الكاتب البولوني ستانيسلاف جرزي ليك: «يا للعار، حتى أمريكا ليست اكتشافا أمريكيا
» !

 

 

المصدر: فلاش بريس = سعيد الباز
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 21 مشاهدة
نشرت فى 20 ديسمبر 2014 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

281,334