فلاش بريس = سعيد الباز
سيجموند فرويد ليس مغربيا
سيجموند فرويد بالتأكيد ليس مغربيا. سيجموند فرويد نمساوي ومدرسة التحليل النفسي والشعور واللا شعور والهو والأنا والأنا الأعلى، من كشوفاته التي دفعت بعلم النفس إلى أن يحتل مكانته الكبرى ضمن الكثير من العلوم التي أطلت من نافذة القرن العشرين.
ومع التطور الهائل الذي شهده هذا العلم، بات سيجموند فرويد وكارل يونغ وآخرون ملكا للعالم أكثر من بلدانهم، إلا المغرب الذي ظل يولي ظهره لكل ما يتعلق بهذا العلم والأمراض المفترض فيه أن يعالجها.
لقد ظل المغاربة يتجاهلون مسألة الصحة النفسية، والمرض النفسي على الخصوص الذي يعتبر من الطابوهات الكبرى. فهو لعنة تصيب الإنسان، وعند البعض مس شيطاني أو عمل من تدابير السحرة.. لهذا يتم إقصاء هذه الأمراض من مجال الصحة إلى مجال آخر، هو مجال الخرافات والغيبيات مثلما تخفي النعامة رأسها الصغير في التراب، تاركة جسمها الضخم مكشوفا أمام رياح العاصفة.
الأرقام التي تصدرها وزارة الصحة المغربية والمنظمات الصحية العالمية، تبرز الفراغ المهول من حيث عدد المراكز الصحية المخصصة للأمراض النفسية ومن أطباء ومعالجين نفسانيين، وأن المستشفى الوحيد والممكن للمرضى في حالة صعبة حاليا هو الشارع. مما يجعل بعض الأمراض النفسية والعقلية مرادفة لصفة أخرى هي صفة التشرد.. يكفي أن تلاحظ العدد الكبير من المشردين الذين هم في الحقيقة مرضى عقليون في شوارع مدننا ومحطاتنا الطرقية، حيث تبدو هذه الأمراض استعراضية لبؤسنا الاجتماعي واختلالات أوضاعنا الأسرية. ربما لهذا السبب يحب المصابون بهذه الأمراض المحطات الطرقية والساحات العامة، كما لو أنه يحلو لهم أن يدينوا المجتمع دفعة واحدة، يحرجونه بوضعهم السيئ والجارح.
إن الاعتراف بالمرض النفسي والعقلي مقدمة ضرورية للتعامل الإيجابي معه، أما الاستمرار في تجاهله فيؤدي إلى تفاقم الوضعية الصحية لدى فئات عريضة من المغاربة التي تعاني في صمت من الاكتئاب أو غيره دون مراجعة طبيب مختص، لأن الكثير من هذه الأمراض يتميز فيها المصاب بالقدرة على إخفاء مشاعره ومعاناته الداخلية، ولأن مثل هذه الأمراض في عرف المغاربة ترتبط بشيء لا علاقة له بالطب أو علم النفس هو الجنون.
إن الأحداث التي ينقلها الإعلام والصحافة المغربية بشكل يومي، تظهر لنا وبشكل فادح مدى تقصيرنا في مجال الصحة النفسية والعقلية للمغاربة. إن الكثير من حالات الانتحار والجرائم الفظيعة التي ترتكب ضد الأصول، والقتل والتمثيل بالجثث... مرتبطة بالاختلالات النفسية والعقلية لمرتكبي هذه الأفعال الإجرامية التي تقترف في غالب الحالات تحت وطأة شعور مرضي ومنطق مفارق للواقع، ليس له من سند سوى هلوسات المريض وهذياناته الداخلية. وإذا أضفنا إلى هذا المشهد المرعب حالات الإدمان على المخدرات بشتى صنوفها والتعاطي المفرط للكحول، باعتبارها مسببة مباشرة لعدة أمراض نفسية وعقلية، تضاعف من عدد المصابين، وتضعنا أمام وضع كارثي.
لقد عبر المغاربة قديما عن الأعراض النفسية والعقلية المرضية بتعبير في غاية الطرافة، فهي بمثابة فرخ طار من قفص العقل، ففلان طار له الفرخ أي فقد عقله أو بعضا من وظائفه. وكي لا يطير هذا الفرخ مرة أخرى من قفص مجتمعنا، ينبغي لنا وفي أسرع وقت أن نجعل سيجموند فرويد مغربيا. أن نعوده على أكل الكسكس وارتداء الجلابية والبلغة المغربية. علينا أن نغير مقاربتنا لمسألة الرعاية الصحية للمواطنين، باعتبار الصحة النفسية والعقلية جزءا أساسيا من الصحة العمومية، وأن نظرتنا الحولاء هذه لا تعدو أن تكون هروبا إلى الأمام أو قفزة في الهواء، سببها الخوف من المرض النفسي والعقلي بشيطنته أو إدخاله مجال الصمت المتواطئ. رغم أن العرب في أمثالهم لمسوا خصوصية هذه الأمراض التي لا تمت بصلة إلى ما يسمى الجنون، فقالوا: «خذوا الحكمة من أفواه المجانين»، وذهب باسكال قبل فرويد بكثير إلى القول: «المجنون هو الذي فقد كل شيء إلا عقله».
ساحة النقاش