فلاش بريس = محمد الأشهب
مركب اسمه الأمير مولاي عبد الله
ثلاثة وزراء تعاقبوا على قطاع الشبيبة والرياضة، في أقل من خمس سنوات، البعض كان له إلمام بهذا العالم، يوم كانت الهواية ورقة تأهيل تسبق الاحتراف. والبعض لا يجمعه به إلا الخير والإحسان، والبعض ولدته أمه في «خرقة بيضاء» كما يقال.
لم تسعف الظروف عاشقا للرياضة، يعرفه فريق الفتح الرباطي ومناصروه، في أن يتوج مساره الحكومي برعاية أكبر تظاهرة عرفها المغرب وقتذاك، تمثلت في استضافة ألعاب البحر المتوسط. فقد أمضى المهندس عبد الحفيظ القادري فترة في الإعداد للحدث، وأنهى عبد الواحد بلقزيز ولاية تنفيذية قصيرة، حين عهد إليه بالإشراف على قطاعي الأنباء والشبيبة والرياضة. يوزع وقته بين المقر المقابل لجامع السنة الذي تحول لاحقا إلى محكمة أسرة، والبناية المجاورة لبنك المغرب، قبل أن تطوح به ضرورة عابرة إلى أعلى ويصبح وزيرا للخارجية.
روى لي عبد اللطيف السملالي، الذي كان المسؤول الثالث خلال نفس المرحلة، بصفة كاتب دولة في الشبيبة والرياضة، أنه وجد تفهما من الوزير بلقزيز الذي كان ينفض يديه من الملفات التي لا يعرفها. وباستثناء مشاحنات صغيرة في الاختصاص، تحدث بين أي وزير وكاتب دولة، في ذات القطاع، كانت مهمته الأساسية تكمن في مواجهته تحدي استضافة ألعاب البحر المتوسط، وانغمر طويلا في الإعداد لذلك الرهان.
في فندق في الرباط، كنت برفقة الوزير الأول الأسبق المعطي بوعبيد، وقال إنه يخشى على عبد اللطيف من طموحه الجارف. فقد تعهد بضمان ما يكفي من مرافق التجهيز والتمويل والتأطير للحدث الرياضي الكبير. وحين التحق السملالي بالفندق كانت بشائر الفرحة تعلو محياه، وأبلغ المعطي بوعبيد أن مهمته إلى جولة في دول مشرقية كانت ناجحة. وأردف أن البلاد التي تحتضن كبريات القمم العربية والإسلامية، لا يمكنها أن تتخلف عن استضافة تظاهرة رياضية بهذا الحجم.
وأضاف في حضور الوزير الأول، أن الملك الراحل الحسن الثاني وضع بين يديه مفتاح الزيارة، وألح عليه إبلاغ الأشقاء الذين سيجتمع بهم أن المغرب إنما ينوب عنهم في تقديم صورة مشرقة عن توجهات تنشد السلم والإخاء عبر الرياضة. كان المغرب يقود اللجنة السباعية المنبثقة عن قمة فاس العربية، التي أقرت للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي خطة سلام متكامل. وكان مهندسو الاستراتيجيات الدولية المتعلقة بالشرق الأوسط يتوقفون في الرباط لاستلهام ما يمكن فعله وما يتعين تركه.
الرياضة مثل السياسة، لها سفراؤها ورجالاتها وأبطالها وفضاءاتها. لها أيضا مجلس أمنها وجمعية الأمم المتحدة والمبعوثون الدوليون رفيعو المستوى الذين يجوبون الأصقاع. فقد اكتشف العالم دولا وجنسيات وأبطالا عبر المنافسات الرياضية. وبعد أن كانت تعكس جانبا من ازدهار الأمم والتشبع بقيم الانفتاح والإخاء والتسامح، فإنها تفوق دبلوماسية التسويق السياحي والصناعي، عدا أنها تخترق الحواجز وتقلص مسافات التباعد.
قبل أن تنشغل منظومات وأفكار وتنظيرات بتكريس البحر المتوسط بحيرة أمن وسلام ووئام، كانت الألعاب تسابق الزمن، فقد انبثقت وتطورت في سباق رياضي سبق طرح الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي لمفهوم «الاتحاد من أجل المتوسط». لكنها نحت في اتجاه تحديات الأجساد والعقول، إذ تتخذ من المنافسات الرياضية إطارا مشروعا، وإن بكلفة مالية مرتفعة. فالرياضة مثل باقي المرافق والبنيات، تغير وجه البلدان نحو الأفضل، حين تتضافر الجهود ويسود التضامن.
كلفة مرتفعة، لكن المغرب كان في وارد كسب الرهان، لأنه لم يكن وحيدا، له أصدقاء ومناصرون، وقبل هذا وذاك يكون الاعتماد على الإمكانات الذاتية المدخل الطبيعي للظفر بهكذا إنجازات. وعندما رست المناقصات على دولة الصين العظمى لإنشاء مركب رياضي حمل اسم الأمير مولاي عبد الله الذي غيبه الموت وقد رأى مركبا رياضيا هائلا يصون ذاكرته الرياضية. كان السؤال الكبير، هل الإنجاز سيكون جاهزا في الوقت المحدد، وبنفس المواصفات العالمية للمركبات الرياضية التي تحظى باستضافة التظاهرات الكونية؟
لم تتوقف الأعمال ليل نهار، والذين كانوا يمرون بمحاذاة المركب في تلك الفترة، يلاحظون أن إشارة الأوراش لم تنطفئ صيفا وشتاء. مهندسون وفنيون وخبراء ورياضيون يواصلون العمل، كي يكونوا في موعد الحدث. ويا لها من مصادفة. فقد اعتلت العداءة المغربية نوال المتوكل منصة التتويج بميدالية ذهبية في الألعاب الأولمبية في لوس أنجليس، ورافقها البطل العداء سعيد عويطة باكتساح في مسافة الخمسة آلاف متر. ليكتمل عرس الافتتاح ذات مساء مشرق، على نغمات النشيد الوطني ورفرفة العلم الأحمر والأخضر.
أربعة عقود وزيادة مفصلنا عن الحدث الذي أضاء الطريق أمام إغراء استضافة كأس العالم في كرة القدم. لم تكن المنافسات متكافئة، لكن خسارتها بصوت أو اثنين لفائدة الولايات المتحدة الأمريكية لم يبخس آمال وجهود المغاربة. إلى أن جاء ديسمبر من العام 2014، فانهارت الآمال، وسخر معلقون أجانب من عمال حاولوا شفط مياه الأمطار من ملعب المركب إياه بوسائل تقليدية في عصر التكنولوجيا.
بئس الموقف الحرج الذي وضع فيه المغرب. ولنعد قراءة قوائم وزراء الشبيبة والرياضة من جديد، فثمة ما يبعث على البهجة والأمل والثقة، وثمة من يهوي على الآمال بسلوكات لا شك أنها تندرج في خانة الفساد الذي ينخر المجتمع.
ساحة النقاش