فلاش بريس = نعيمة لحروري
الفقد اللعين 2/1
بوعرفة..
مر زمن على آخر عهدنا بالحديث، كنت تتأهبين لأذيتي بالغبار وترديني في قصة لست لها وأنت قريبة من العين، تعبين من شعر البدو والماء المشبع بالمنغنيز والقصص التي تأكل «اللب» وتمضي مع الليل..!
كلما مر اسمك بجانبي اقشعرت ذاكرتي وهممت بفتح صندوقنا المشترك والثرثرة عن كل شيء مر بي، قصائدي.. دراستي المحبطة.. زواجي الذي ذوت زهرته في عامين أو ثلاثة.. قصصي الجديدة عن الناس الذين بت أعرفهم.. قصصي القديمة عن أناس قايضني عليهم الوقت والمكان والعادات والنسيان أيضا..
كبرتُ يا عزيزتي قليلا.. وجهي المخادع مثل عادته يبدو أصغر من عمري الحقيقي بكثير، يوارب بذكاء عن الآخرين تاريخ ميلادي.. قلبي نبتت له شيبة صغيرة.. هي حصيلة مآس متلاحقة.. صدمات خفيفة وثقيلة أحيانا.. أستطيع نزعها لكني أبقيتها للتذكرة.. عينيّ لم تتسعا أكثر مما اتسعتا.. بدأت أتأقلم على دسائس الحياة.. ربما لأن الله كبر في صدري أكثر من السابق.
أجبرتني الحياة يا عزيزتي على الخوض في ما حاولت تجنبه.. أكسبتني عنوة ًمهارات لم أكن لأتعلمها لو أني بقيت على حالي الرث القديم ذاك.. كم كان مأساويا صوتي المجروح.. طريقتي المتعثرة في الكلام وانسحابي المقيت من العالم.. كأني كنت أخفي عن الناس حقيقة أن وجهي المخادع مشطور إلى امرأتين يائستين تامتي الخلقة..!
كنت كمن دخل إلى الحياة بصدر من زجاج, واثقة من أن الميدان فارغ, وأن الناس طيبة, وصدري سميك بما يكفي لأقرر مواجهة شيء محتمل ومخيب.. ومررت من هناك حتى خرجت من دائرة الظن وقد أيقنت بأني وقعت في فخ للحرب لم يكن في البال! انسحبت منها بدم مهدر.. منتصبةً على قلبٍ مكشوف وأحشاء عارية.. أدافع عن حقي في البقاء برأس وأطراف يدميها الخوف والقلق.. مضيت في وجه حرب أخرى على الجانب الآخر من الظن بقلب لا غطاء عليه.. على أمل أن يخطئني القناصة والحظ السيئ وأعيد بناء صدري من رخام.. الآن لم يعد شيئا يعنيني.. مع كمشةٍ صغيرة من الخذلان أستطيع التماشي مع نفسي.. بموازاة هذا العالم المجنون أحيانا.. أستطيع الآن الرقص وحدي بلا ضجر.. أضرب بقدمي على الأرض.. أهز خلخالي.. أساوري.. وأدور برأسي في كل اتجاه حسبما تفرض علي الموسيقى الصاخبة.. أفترض وجود جمهور يصفق وآخر مشجع وثالث معجب مغمور في صمته..
ساحة النقاش