فلاش بريس = نعيمة لحروري
الفقد اللعين 2/2
تجاوزت صمتي.. أصبحت أستطيع الغناء في غرفتي حتى ساعة متأخرة دون أن تقعدني قصص الأشباح عن مهمتي المزاجية هذه.. أو تسكتني قصص الموتى الذين قضوا نحبهم يرددون أغانيَ بدل التعريج على الشهادة!
تعلمت أيضا البحث عن معلومات تفتح في عقلي نوافذ قديمة أغلقها أحدهم باسم الدين ومضى متباهيا بتطرفه.. ظللت زمنا أرزح تحت معارك طاحنة لعقلين إلى أن اخترت التخلي عن أحدهما والثقة في ما أملك.. عدت بعدها لمتابعة الأدب من جديد.. كما عدت بشراسة لشراء ملابس باهظة فوق حاجتي للشراء.. وجمع المزيد والمزيد من الأحذية والحقائب لشتى المناسبات الطارئة أو للتبذير والشعور بالبحبوحة أو لتأمين أهم مستلزمات الهرب..
تعلمت الأهم من هذا كله.. ألا أتسبب لنفسي بالمزيد من الأذى.. وألا أقضي وقتي بالتفكير في أحد.. فلا أحد يستحق أن تنتقل ملكية ذاكرتي له عن طواعية مني.. أنا أحق بتاريخي.. وأولى بأفكاري من أي مخلوق آخر أفسد حياته في العبث والنسيان واختلاق علاقات جديدة للحصول على ذاكرات متعددة وحيوات أخرى!
في أعوام قليلة تغيرت كثيرا.. لكن يدي التي غاصت في المنظفات مازالت تستنبت القصائد.. مازالت تكتب للأصدقاء المنسيين والآباء المهجورين وتأتي بذكر القصص التي لا يعول على ذكرها أحد..
مازالت يدي يا مسقط رأسي ممدودة بين سطر ونافذتك.. وإن كنت مشغولة بإيقاظ عاشق من بطاقة هويته..
والسطر فيك يقول: «يأسرني صوت الحذاء
وسيرة الراحلين..
في يدي عصا جدي حكمة أبي
وبعض من حنين..
وتلك الجبال الشماء تحفر في أخاديدي سؤال العارفين..
لي في كل سفح قصة موسومة بالحزن والفقد اللعين..
في بوعرفة توضأت من مياه الطاهرين
وغازلت نجمة الصبح فكبر المجد
وصلى.. وارتقى صعب السنين..
أراها.. في وجوه العابرين من نافذتي
في دموع المسافرين الباكين من فرط الحنين..
أشم عطرها في ضفائري التي عقدتها السنين..
فتنطوي الأزمان وعصف رياحها لم يزل
معلقا في مسمعي.. في ركني الركين..
لا أملك أن انتزعها من ذاكرتي.. من جسدي.. من دفاتري.. من وجعي.. من الأنين
حبي لها.. لأهلها الطيبين
مذْ أزهرتْ في الروح رائحةُ الزمانِ قصيدةٌ
وعلى جدارِ قلبِي استوطن عرش أخضر وياسمينْ.
بوعرفة..
أنت التي تقبعين في كل أركان حياتي..
كأنك أقسمت
يوم زفّت الأقدار صرختي الأولى إليك
أن لا تبارحيني بلذة الحب.. أو بمرارة الفقد اللعين..».
ساحة النقاش