فلاش بريس = شذا المداد
الشفافية
عندما تقول منظمة مستقلة مثل «الشفافية الدولية» بشكل واضح إنّ معظم الدول العربية فشلت في تجاوز 35 نقطة من أصل مائة وضعت كمعيار لقياس مدركات الفساد في الدول، فيجب الوقوف عند ما تقول، ومعرفة حيثيات المشكلة الخطرة، لا أن يمر التقرير هكذا بصمت بالغ وكأنّ الحديث يطال دولا على سطح القمر.
ورغم أنّ التقرير لم يأت بجديد، فدائما كانت هذه الدول السباقة في احتلال مستويات دنيا في سلم الفساد، رغم ذلك راح البعض يشكك بنزاهة البحث وصل لدرجة اتهم فيها المنظمة بتسييس نتائج البحث! الذي لم تنج منه ولا دولة سوى قطر والإمارات بنسب متقدمة قليلا عن نظيراتها العربيات. الجديد كان فقط في أنّ الفساد تضاعف داخل ما يسمى بدول «الربيع العربي».
والآن ماذ بعد؟ ما الذي سيحصل؟ فلقد انتهت مهمة المنظمة هنا، وقالت قولتها وانتهى. ما هي الإجراءات المتخذة اليوم؟ هل ستشعر الأنظمة في تلك البلدان بضرورة مراجعة السياسات العامة؟ أم سيوضع التقرير كعادة كل عام في الأرشيف؟ لاسيما أنّ الانتقادات كانت حادة تلك التي وجهها القائمون على التقرير وقالوا إنّ الفساد استشرى بطريقة مرعبة!! وحملت المسؤولية للنظام السياسي، فالنخب الحاكمة المسيطرة على دول الربيع العربي واصلت اختطاف هذه الدول والسيطرة على مقدراتها، وتغيير إرادة شعوبها عبر تزوير الانتخابات وتقويض التداول السلمي للسلطة فيها، وتغييب الشفافية في المعاملات الحكومية ونفقات المؤسستين العسكرية والأمنية.
بات يعتبر من البديهيات المسلم بها أنّ غياب الديمقراطيات والشفافية في التعامل والحريات السياسية والثقافية هي البيئة الحاضنة للفساد، هذا واضح، لكن لو فرضنا جدلا استحالة تطبيق الديمقراطيات في تلك الدول على الأقل في الوقت الراهن فما الحل للحد من انتشار الفساد؟ لماذا لا تحاول المنظمة ممارسة ضغط أكثر على تلك الدول لإجبارها على تبني خطط مكافحة الفساد، فهي مثلا تقول إنّ الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك وعائلته نهبوا لوحدهم 70 مليار دولار من بلاده، في حين استحوذ الرئيس التونسي الهارب زين العابدين بن علي على 21 في المائة من مقدرات تونس الاقتصادية في فترة وجوده في الحكم.
لماذا لا تطالب المنظمة بمحاكمات عادلة لمن ارتكب جرم الفساد، لماذا تصمت منظمة كبرى ومستقلة وسيادية وغير حكومية على كل مخالفات القضاء العربي عندما يبرئ كل رموز الفساد لدرجة تصل إلى المهزلة أحيانا؟ ورأى العالم بأسره ما فعله القضاء المصري أثناء محاكمة قتلة ثوار «25 يناير».
وإذا كانت تعتبر نفسها سيادية مستقلة ليست معنية بشؤون الدول الداخلية لتطور نظاما جزائيا دوليا يدرج ضمن أدبياتها يدعو إلى محاكمة رموز فاسدة وهي التي دائما تباهت بعلاقاتها القوية مع أركان الحكم في الدول!! يكون بمثابة مساهمة بسيطة منها وإجراء رادع مساعد لتلك الدول في القضاء على الفساد.
الأخطر ما قالته رئيسة قسم الشرق الأوسط في الشفافية الدولية أنّ نصيب الدول العربية كان هذا العام من عمليات غسيل الأموال وصفقات السلاح هو الأعلى على الإطلاق؟
إذن عظيم !!
ساحة النقاش