المساء = عبد الله الدامون
من هم الآخرون؟
العدد :2547 - 06/12/2014
نحن شعب تعوّد على أن يلقي كل آثامه على بعضه البعض، وصار كل فرد منه يتصرف وكأن كل ما يعيشه من مشاكل ومآس هو من مسؤولية الآخرين. نحن شعب مريض فعلا ونحتاج إلى دواء، لكن الدواء ينفع فقط مع المريض الذي يعترف بمرضه، أما نحن فلانزال ندفن رؤوسنا في الرمال.
في جلساتنا الضاحكة، نردد باستمرار نكاتا ومستملحات تعبر عن مرضنا. نقول إننا الشعب الوحيد الذي يقول «التـّران هْرب عْليّا»، بينما يقول الأوربي أو غيره إنه هو الذي أخلف موعده مع القطار. ونجلس على طاولة ونصدر حركة ما تكون نتيجتها سقوط كأس وتهشمه فنقول إن الكأس هو الذي سقط ولسنا نحن من أسقطه وهشمه، وهناك آلاف الأمثلة التي تعبر عن كوننا نسير بخطى واثقة نحو الفراغ الكبير، فراغ النفس وفراغ الإحساس بالمسؤولية.
الدولة، التي يفترض أنها تحكم وترسم حاضر ومستقبل الشعب، لا يبدو أنها مهتمة أكثر بأن يصوت الناس بكثافة في الانتخابات، ومهتمة أكثر بقطع دابر من تسميهم «التيئيسيين والعدميين»، بينما المجتمع يغرق في بئر بلا قرار وسيصبح قريبا مجتمعا يائسا وعدميا من الألف إلى الياء.
ما نراه من سلوكات الناس في كل مكان يجعلنا نطرح سؤالا مرعبا حول مآلنا بعد عقد أو عقدين من الآن، وكيف سنتصرف مع بعضنا البعض يوم يصبح عددنا مائة مليون نسمة.
قبل بضعة أيام، قررت جمعيات فرنسية أن تدخل على الخط في قضية اغتصاب فرنسي شاذ لعدد من أطفال مراكش. هذه الجمعيات لم تقرر متابعة المغتصب الفرنسي لوحده، بل قررت متابعة أسر الأطفال المغتصبين أيضا أمام المحاكم. أكيد أن هناك مغاربة كثيرين سيشعرون بالصدمة، لكن الحقيقة أننا يجب أن نصفق بحرارة لهذه الجمعيات التي يبدو أنها صفعتنا، وصفعتها مفيدة جدا.
عندما اكتشفنا فضيحة مراكش تصرفنا وكأن أولئك الأطفال المغتصبين نزلوا من كوكب آخر، ونسينا أن نسأل أنفسنا هل لهم أسر وآباء وأمهات وإخوة، لأنهم لم يكونوا من أطفال الشوارع المشردين. وعوض أن نلعن الآباء والأمهات فإننا نزلنا بكل غضبنا على ذلك الفرنسي النذل، مع أن النذالة في هذه الحالة مقتسمة بين الجميع، بين الفرنسي المغتصب وبين أسر الأطفال الذين لم يأبهوا بالمرة لما يفعله أبناؤهم ولا أين يقضون وقتهم خارج المنزل ولا كيف يتصرفون ولا كيف يجلسون أو ينامون. والغريب أن هناك أسرا كانت تعرف سبب تردد أبنائها على منزل الفرنسي الشاذ.
لو كانت عندنا في المغرب جمعيات شجاعة وغير منافقة لقررت أن تفعل ما فعلته الجمعيات الفرنسية، أي أن تتابع الفرنسي الشاذ ومعه أسر الأطفال المغتصبين أمام المحاكم، فلا فرق بين المغتصب المتوحش وبين الأسر المتوحشة التي تعرف ما يفعله أبناؤها وتصمت مقابل حفنة من الدراهم.
ما حدث في مراكش رأينا مثله في قضية مشابهة في القنيطرة، يوم اكتشفنا ما فعله دانيال غالفان، حيث كان أطفال الحي يدخلون إلى بيته كما يدخلون بيت جدهم، ولا أحد من أهلهم كان ينهاهم عما يفعلونه أو يسألهم ماذا كانوا يفعلون هناك. والأكثر مرارة أن هناك أسرا كانت تعرف، وعندما ظهر ما ظهر تصنعت صدمة مفضوحة وكأن غالفان اختطف أبناءها في غابة واغتصبهم في كهف بأعلى الجبل.
في آلاف الحالات الأخرى، لا نفهم ماذا يحدث ولا أين ذابت قيم المجتمع. في المدارس الإعدادية، تقف سيارات فارهة لمراهقين أو رجال بالغين لاصطياد بنات يافعات، وهؤلاء اليافعات عادة ما يعدن إلى المنزل في ساعة متأخرة، فلا يُسألن أين كن ولا من أين أتين، وفي حالات كثيرة أخرى تخرج البنت من منزلها كما تخرج العروس ليلة الدخلة دون أن تـُسأل لماذا كل هذه الزينة المثيرة في شوارع مليئة بالذئاب.
عادة ما نتساءل عن أسباب كل هذا التردي النفسي والأخلاقي، حيث يلقي كل واحد بالمسؤولية على الآخرين، وكما نتصور أن القطار هو الذي هرب علينا ولسنا نحن من وصل متأخرا، أو أن الكأس هو الذي سقط من تلقاء نفسه ولسنا نحن من أسقطه، فكذلك نعتقد أن تردينا الأخلاقي والاجتماعي هو من فـِعل الآخرين وليس من مسؤوليتنا.
في حياتنا اليومية أطنان من الموبقات، بدءا بسلوك سائقي السيارات أو طريقة عبور الراجلين، ومرورا بشوارعنا ومدارسنا وجامعاتنا وإداراتنا ومعاملنا، وانتهاء بمسؤولينا وحاكمينا، ومع ذلك نتهرب من تحمل مسؤولية هذه الموبقات ونُحمّلها للآخرين... من هم الآخرون؟
ساحة النقاش