فلاش بريس= رشيد نيني
تشريع تحت الطلب
أمر مصطفى الرميد، وزيرالعدل والحريات، بفتح تحقيق في شريط فيديو مصور يظهر أحد عناصر الدرك الملكي وهو يسب الذات الإلهية، ويسب إحدى المواطنات بكلام نابي.
إدارة الدرك الملكي بدورها اتخذت قرارا بالتشطيب على هذا الدركي، الذي أظهر طريقة مقززة في الحديث عن الله والدين والمواطن.
هكذا إذن فقد أمر الرميد بإجراء التحريات اللازمة في الموضوع، وترتيب النتائج القانونية اللازمة. لكن نفس وزير العدل لم ير بدا من الأمر بفتح تحقيق مع نائب برلماني وضع مجموع البرلمانيين موضع شبهة عندما اتهم نائبين بالارتشاء.
وهنا يظهر بجلاء أن السيد وزير العدل يكيل بمكيالين غير متوازنين، فهو يحرك البحث مع الجميع إلا مع أعضاء حزبه. وهذه طريقة مبتدعة في تطبيق مشروع إصلاح العدالة الذي يبشر به وزير العدل.
ويبدو أن تصريحات الطبيب عبد الله بوانو، رئيس فريق العدالة والتنمية داخل البرلمان، والذي اتهم خلالها ثلاثة رؤساء فرق برلمانية بتلقي رشوة بقيمة ملياري سنتيم، مقابل تمرير تعديلات قانونية تهم خفض الضريبة على التبغ، لن تمر مرور الكرام هذه المرة. فها هو حكيم بنشماس الذي تعافى من مخلفات حادثة سير كان ضحية لها مؤخرا، يعود إلى حلبة «الملاكمة» ليطالب بمنازلة بوانو، ويجره إلى ساحة القضاء.
والحقيقة أنه إذا كان تصريح بوانو غير صحيح، فإن أقل ما يجب أن يقوم به هو الاعتذار العلني للشعب المغربي، والانسحاب النهائي من الممارسة السياسية. أما إذا كان ما قاله صحيحا، وهو ما لا نتمناه أبدا، فإنه سيكون ملزما بأن يعطينا أسماء هؤلاء الخونة الذين باعوا ثقة الملك والشعب فيهم، حتى يقدموا لمحاكمة علنية، تنقل مباشرة على الهواء، لعلنا نستعيد ثقتنا في المؤسسة التشريعية، ونذهب مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع. أما إذا فضل سيادته الإبقاء على أسمائهم طي الكتمان، والاكتفاء بممارسة الابتزاز السياسي للخصوم، بواسطة الترويج لخبر بهذا الحجم من الخطورة، فإن أقل ما يجب المطالبة به هو حل البرلمان، وتسريح جميع ساكنيه، الذين أصبحت تحوم حولهم الشبهات، حماية للميزانيات التي تصرف عليهم من أموال دافعي الضرائب، وصونا لمصالح المواطنين من أن تضيع بين أيدي برلمانيين يقبلون على أنفسهم تلقي رشاو من أجل سن قوانين وفق مقاس لوبيات معينة.
والسؤال المشروع الذي سيطرحه كل متتبع، عند كل تصويت من برلماننا بغرفتيه على أي نص قانوني جديد، هو «شحال عطاوكم»، وكم قيمة الرشوة التي تلقاها الحاضرون نظير حضورهم، أو الغائبون نظير غيابهم، دفاعا عن تقنين الحشيش مثلا، أو تمرير قانون فتح المصحات أمام أصحاب الشكارة.. وغيرها من القوانين ومشاريع القوانين التي تعبر أو تخرج من تحت القبة البرلمانية.
وهكذا فبسبب تصريحات بوانو، سيفقد المواطن المغلوب على أمره الثقة نهائيا في المؤسسات، فلا يرى في أي قانون يصادق عليه البرلمان إلا صفقة مربحة لهذا الطرف أو ذاك، وهي الصفقات التي ستفسر لديه لماذا يحرص بعض المرشحين على الظفر بالمقعد النيابي الوثير، ولو كلفه ذلك التضحية بالملايير، ولماذا يستغل البعض كل الوسائل غير المشروعة من أجل إرشاء الناخبين وإفساد اللعبة الديمقراطية.
وسيكون من حق هذا المواطن أن يشك حتى في الغياب الملحوظ لدى غالبية النواب، وهجرتهم مدفوعة الأجر لمقاعدهم، ما دامت كل المحفزات التي تم ابتكارها لحد الآن لم تنفع في إقناع هؤلاء المدمنين على الغياب بالحضور لمناقشة القضايا المصيرية للأمة، والذين يكتفون في الغالب بالظهور خلال الجلسات الافتتاحية فقط، من أجل التزاحم على موائد الحلويات، أو تبادل العض واللكمات أمام عدسات المصورين، حيث تتناقلها المحطات التلفزيونية العالمية.
وإذا كان السيد بوانو يعتقد مع نفسه أنه سيقول كلاما بهذه الخطورة، ويمضي إلى حال سبيله، ربما ليقينه بأن هناك من النواب من توجد في «كرشه العجينة»، وأن أقصى ما سيتم فعله هو وضع شكاية لدى النيابة العامة، وتركها عرضة للنسيان، مثلما فعل شباط من قبل مع بنكيران بمناسبة تصريحاته حول تهريب الأموال للخارج، أو أن الملف سيطوى مثلما طويت ملفات سابقة، فإنه سيكون واهما بكل تأكيد، لأن كلاما كهذا لن تكون له تبعات على المستوى الوطني فحسب، بل من شأنه أي يحدث رجة دولية، أقلها مطالبة منظمة «برلمانيون ضد الفساد GOPAC» ومنظمة «برلمانيون عرب ضد الفساد ARPAC»، بالكشف عن أسماء البرلمانيين المغاربة المرتشين مخافة أن يكونوا أعضاء مندسين في صفوفها دون علمها.
والمنظمة العالمية للبرلمانيين ضد الفساد، هي كما تعرف نفسها على موقعها الإلكتروني، عبارة عن شبكة دولية من البرلمانيين الذين كرسوا أنفسهم للحكم الرشيد ومكافحة الفساد في جميع أنحاء العالم، والتي يرأس فرعها المغربي برلماني من حزب العدالة والتنمية. ولهذا السبب يتعين على حزب العدالة والتنمية في شخص رئيس فريقه، أن يتحرك في اتجاه الكشف عن البرلمانيين الفاسدين الذين يمارسون «التشريع تحت الطلب»، حتى لا يعتبروا متواطئين مع الفساد، ومشاركين فيه.
وإذا كان السيد بوانو قد سكت على فضيحة من العيار الثقيل سنة كاملة، قبل أن يضطر إلى تفجيرها تحت قبة البرلمان، ويعبر عن استعداده للكشف عن المعطيات المتوفرة لديه إذا ما تم إحداث لجنة تقصي الحقائق، فإن الرأي العام الوطني والدولي لن ينتظر سنة أخرى لكي يعرف من هم البرلمانيون المرتشون الذين تلقوا مليارين مقابل خدمة مصالح لوبيات شركات السجائر، لأن سرطان الفساد سيكون حينها قد ازداد استفحالا بصدور قوانين أخرى ربما لا تقل خطورة عن السجائر.
ساحة النقاش