فلاش بريس= رشيد نيني
كية اللي جات فيه
أصبح استغلال مآسي الناس ومصائبهم رياضة وطنية في المغرب، خصوصا عند بعض السياسيين ورجال الأعمال.
وقد شاهدنا كيف حاول الفريق البرلماني للعدالة والتنمية والفريق الاتحادي استغلال موت أحمد الزايدي في تأجيج سباق الفريقين نحو استدرار عطف الرأي العام. فالأول تقدم بمقترح لإطلاق اسم الراحل على إحدى قاعات البرلمان، بينما رفض الفريق الثاني المقترح حتى لا «يربح» الفريق الأول هذه النقطة في حسابه السياسي الجاري. وهو حساب لو يعلم الفريقان بائر ومفلس.
وفي اليوم الموالي شاهدنا كيف استعرض الحاج الطاهر مول «الكتبية» صوره إلى جانب المواطن الذي ازداد له خمسة توائم وهو يتبرع عليه بشقة مفروشة، وفي الغد ظهرت إعلانات مجمع رجل الأعمال السكني التابع لذراعه العقاري على صفحات الجرائد حيث يعرض شققه للبيع بـ«دقة للنيف».
إن من يريد أن يعطي صدقة يفعل كل ما بوسعه لكي تكون هذه الصدقة مستورة، حتى تكون خالصة لوجه الله ويتم بالتالي تقبلها في ميزان حسنات المتصدق.
أما عندما يجمع صاحب الصدقة الصحافيين والمصورين ويعطيها على مرأى من الجميع، وهو يحرص أشد ما يكون الحرص لكي يصل خبر صدقته إلى أكبر عدد من الناس، فهنا يفوت المتصدق الأجر على نفسه، لأن صدقته لم تكن خالصة لوجه الله وإنما لوجه الناس.
وبالتالي تصبح هذه «الصدقة» مجرد حملة إشهارية لتلميع صورة صاحبها وإظهاره بمظهر الزاهد المتصدق، والحال أن هناك المئات بل الآلاف من الأثرياء ورجال الأعمال يعطون الصدقات ويشترطون على من يتلقاها شرطا واحدا، وهو أن لا يفصح عن أسمائهم.
فالصدقة التي تقبل في ميزان الحسنات هي الصدقة التي تعطى سرا ولا يراد من ورائها شيء آخر غير وجه الله.
وبالنسبة للسياسيين، فمن بين أفظع أوجه استغلال مآسي الناس لتلميع الصورة، ما نشر حول وزير الاتصال تحت عنوان يقول «الخلفي يقتحم وادي الموت ويعزي عائلات فاجعة كلميم».
من يقرأ هذا العنوان الرنان الذي اختاره موقع إلكتروني تابع للحزب الحاكم، يتصور أن البطل المغوار مصطفى الخلفي، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، تحول إلى «سوبيرمان» وطار من الرباط نحو الوادي وغطس وانتشل الضحايا وأنقذهم من الموت، والحال أن الجميع يعرف أن الخلفي كان هناك من أجل تنشيط لقاء حزبي، والجميع شاهد كيف جرفت مياه الأنهار والسيول جثث المواطنين، وشاهدوا بتقزز كيف حملت جثث بعضهم في شاحنة للأزبال. ويبدو أن الجميع أدرك الآن المعنى الحقيقي لكلمة «بوزبال» التي كنت أول من استعملها لانتقاد تعامل بعض المسؤولين مع المواطنين، وتعرضت لحملة ظالمة بسبب ذلك، قبل أن تتحول الكلمة إلى موضة يتباهى البعض بتردديها.
البعض تساءل عن الأسباب التي منعت رئيس الحكومة من تحويل مسار الطائرة التي حملته إلى وجدة لتنشيط لقاء حزبي نحو كلميم أو تزنيت أو الرشيدية، من أجل الوقوف على حجم الكارثة وتقديم واجب العزاء لعائلات الضحايا والمفقودين.
طبعا لو كان الأمر يتعلق بتقديم التعازي لعائلة عضو في الحزب، كما حدث عند مقتل الطالب الحسناوي، لما تأخر رئيس الحكومة في أخذ الطائرة، أما وأن الأمر يتعلق بمواطنين من عامة الشعب فإن «النشاط» الحزبي أولى وأجدر بالحضور.
فما يهم رئيس الحكومة هو 52 بالمائة من المواطنين التي قال استطلاع للرأي إنهم لازالوا يثقون به، أما البقية فأمرها لا يهمه. وهذا يذكرنا بما قاله رئيس الحكومة في السنة الأولى لتوليه الحكم، عندما قال إنهم «خدامين مع الناس اللي صوتو عليهم». بمعنى أن الذين لم يصوتوا عليهم «يعومو بحرهم». وهذا ما شاهدناه وشاهده العالم معنا في الجنوب المغربي، مواطنون يعومون بحرهم في الوديان والأنهار دون أن تمتد إليهم أيادي الحكومة لتنتشلهم من الغرق.
والحقيقة أنه «ما عبر غير الوزير أوزين مول ثقبة الزين»، ففي الوقت الذي كان الناس منشغلين بإحصاء غرقاهم كان سعادته يضع في صفحته بـ«الفيسبوك» صوره وهو يحصي طرائده التي قنصها ببندقية صيده خلال عطلة نهاية الأسبوع في منطقته بنواحي إفران.
وظهر الوزير أوزين مول ثقبة الزين في الصور التي نشر، وهو يمسح ظهر كلبه السلوقي بحنان، مزهوا ببذلة القنص وببندقيته «الجويجة».
وزير الشباب لم تنل منه صور الشباب المغربي وهو يصارع السيول من أجل إنقاذ إخوانه الذين جرفهم النهر، فمنهم من عاش ومنهم من استشهد في سبيل تقديم يد العون لمن هم في أمس الحاجة إليها.
وزير الشباب لم يفهم أن الوقت لم يكن مناسبا تماما لنشر صوره المستفزة لمشاعر الشباب في الجنوب الجريح، حيث يستعرض عتاده ويعرض ابتسامته الشامتة.
أما «واحد السي بوليف»، الوزير المنتدب المكلف بالنقل لدى وزيره الرباح، فقد ابتلع لسانه وصام عن الحديث في موعظته الأسبوعية حول الطرق التي انهارت والقناطر التي تداعت والسيارات والشاحنات والحافلات التي ابتلعتها الأنهار، وفضل بالمقابل استعراض مهاراته الكروية على صفحته في «الفيسبوك»، محدثا واعظا معجبيه حول مشاركة المغرب التطواني في «الموندياليتو» بالمغرب، وكيف أن هذه المشاركة يجب أن تعيد الاعتبار للمغرب بعد نكسة «الكان».
ولكي يظهر الوزير بوليف معارفه في ميدان كرة القدم، استفاض سعادته في انتقاد طريقة لعب فريق المغرب التطواني، بسبب «تعادله الأخير مع الوداد البيضاوي واعتماده خطة دفاعية في الشوط الثاني مع غياب شبه تام لوسط الميدان». قبل أن يختم بحماس «هيا يا أشبال الحمامة، انتفضوا قبل فوات الأوان».
«وشوفو دابا هاد الفهايمي، تا آش داك لشي كرة القدم ولا كرة السلة، قابل غي الطرقان والكسايد، ياك هادي هيا خدمتك اللي كانخلصوك عليها سبعة دلمليون فالشهر».
وحتى عندما استدرك الأمر وأراد الحديث حول الطوفان الذي ضرب الجنوب، حمل معاليه إلى علمنا أن هناك 1200 قنطرة تهدد سلامة مستعمليها وتستلزم تدخلا سريعا.. «بحال إلى زعما حنا اللي خصنا ندخلو ماشي هوا والرباح ديالو».
والحقيقة أن الخطأ ليس خطأ وزراء بنكيران ولكن خطؤنا نحن، فقد اعتقدنا أن الأمر يتعلق بحكومة حقيقية، فإذا بها مجرد حكومة «فيسبوكية».
وحتى عندما أراد وزير النقل والتجهيز ورئيس بلدية القنيطرة الرد على نائبه في البلدية، الذي طالب بفتح تحقيق في حادث انهيار وقع بشقتين بالقنيطرة، توجه إلى حائطه بـ«الفيسبوك» لكي ينبه الرأي العام إلى عدم الانسياق وراء ما نشره نائبه، لأن الأمر لا يتعلق بانهيار شقتين ولكن بانهيار حائط في شقة بسبب «الشوفو ديال الغاز» الذي انفجر.
«بلومبي هادا ماشي وزير».
والغريب هو مسارعة وزير النقل والتجهيز في نشر توضيح على صفحته بـ«الفيسبوك» حول سقوط جدار في شقة بنتها شركة عقارية خاصة، لم تنتج عنه أية ضحية في القنيطرة، وامتناعه عن إصدار أي توضيح بخصوص سقوط أكثر من 36 ضحية في فيضانات الجنوب، بسبب سقوط القناطر وانجراف الطرق التي تتحمل مسؤوليتها وزارته.
«السيد مخلي يهضر على وزارتو وبارك يهضر فبلاصة الشركة ديال البني».
فهل أصبح وزير التجهيز والنقل ناطقا رسميا باسم الشركة العقارية التي تتساقط جدران شققها في القنيطرة؟
غير أن الفضيحة الكبرى هي تلك التي كشفت عنها مديرية التجهيز بتارودانت، بخصوص سقوط شطر من قنطرة واد زكموزن بمدخل مدينة تاليوين. فحسب المديرية، فإن القنطرة لم تكن قد اكتملت بعد، وأن التسليم المؤقت للقنطرة لم يحصل بعد بسبب الأشغال المتعلقة بحماية مدخل القنطرة بالأحجار، وكذا بعض عمليات الجرف بالوادي التي لم تنته بعد.
كيف إذن يتم فتح قنطرة بمنطقة تعرف فيضانات في موسم الأمطار في وجه المواطنين منذ يونيو الماضي، بينما لم تكتمل فيها الأشغال الخاصة بحمايتها؟
وكيف تصمد قناطر شيدت في عهد الاستعمار ولا تصمد قناطر شيدت قبل أربعة أشهر؟
ننتظر من النائب بوانو الذي وجه طلبا إلى زميله وزير التجهيز، يطلب من خلاله إجراء افتحاص لشركة «مرسى المغرب»، أن يتحلى بنفس الحماسة ويطالب الوزير نفسه بإجراء افتحاص لكل القناطر والطرق التي شيدت خلال الثلاث سنوات الأخيرة من عهد حكومة بنكيران.
ولو أننا متأكدون من أن النائب المحترم لن يقوم بذلك، لأنه لو كان يحمل لواء محاربة الفساد في مشاريع التجهيز العمومية، لشجع ذهاب اللجنة الاستطلاعية البرلمانية حول طريق آسفي السيار عوض عرقلة ذلك بكل الطرق والوسائل.
«ما عبر غير مجلس المستشارين»، ففي الوقت الذي ينتظر فيه الجميع من المجلس تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول الكارثة التي ضربت الجنوب فضل هذا الأخير تشكيل لجنة نيابية مؤقتة لتقصي الحقائق بشأن الجامعة الملكية... للقنص!
وعلى رأي المغاربة «كية اللي جات فيه والسلام».
ساحة النقاش