المساء = عبد الله الدامون
نخاف أن نصبح شعبا مثل «بينْجي»
العدد 2535 -22-11-2014
العالم منشغل هذه الأيام بثور إنجليزي اسمه «بينجي». الثور لا يعاني من شيء.. تقريبا، فهو شاب وقوي وأشقر ويقضي اليوم كله يرعى في الفيافي البريطانية الخضراء.. وبين الفينة والأخرى يحرك ذيله، والثيران عادة ما تحرك ذيلها عندما ترى أبقارا مثيرة وجميلة، لكن المشكلة أن «بينجي» يحرك ذيله عندما يرى ثيرانا مثله.
توضحت الرؤية إذن، فالثور «بينجي» شاذ جنسيا، والحداثيون المتنورون قد يسمّونه مثليا، أي مثلهم. لهذا السبب قامت الدنيا ولم تقعد عندما قرر أصحاب المزرعة أن يرسلوا الثور إلى المذبح لأنه لا فائدة منه في الحال ولا في الترحال، فلا هو يلقح البقرات ويجعلها تحبل، ولا هو يترك باقي الثيران تفعل ذلك.
لكن حظ «بينجي» كان أفضل بكثير مما توقع له أصحاب المزرعة، فقد انتفضت جمعيات حيوانية وإنسانية في أوربا وأمريكا ورفعت سقف التحدي من أجل إنقاذ الثور الشاذ، وفي ظرف ساعات قليلة حصدت تلك الجمعيات ما يزيد عن العشرة آلاف جنيه إسترليني لشراء الثور ووضعه في مزرعة خاصة، أي أنه سيستمتع بحياته ونزواته إلى أن يموت على فراش الشيخوخة.
هكذا خرج الثور «بينجي» من قانون الحياة والطبيعة وأفلت من المسلخ لمجرد أنه شاذ، ولو أنه كان ثورا طبيعيا وفحلا ويحب البقرات لانتهى مثل غيره في المسلخ، لكن لمجرد أنه شاذ، فإن لحمه صار مقدسا، رغم أنه يعيش في إنجلترا وليس في الهند.
من الصعب أن تتعبأ جمعيات من أجل جمع تبرع ما للمرضى أو الفقراء أو اللاجئين والمشردين وتجمع عشرة آلاف جنيه في بضع ساعات، وربما لا تجمعها أبدا، لكن من أجل ثور شاذ تتعبأ كل «النيات الحسنة» في عالم يسير بالمقلوب.
ما حدث مع الثور «بينجي» في عالم الحيوان يحدث كثيرا في عالم البشر. هناك كثيرون يملؤون الدنيا صياحا لمجرد أنهم شواذ، وكثيرون لا يمتلكون أية موهبة في مجال من المجالات، مثل التمثيل أو الكتابة أو أي شيء، لكنهم يتحولون فجأة إلى عباقرة، ليس بفضل عطائهم الإبداعي، بل فقط بفضل عطائهم الآخر.
في المغرب عشنا، قبل بضع سنوات، حالة مماثلة لمغربي شاذ يعيش في فرنسا وهناك بنى مجده على أكذوبة اضطهاده في المغرب. لم يسبق لهذا الإنسان أن كتب شيئا، لكنه في فرنسا أصدر كتابا واحتفت به وسائل الإعلام الفرنسية وكأنه أول كائن بشري يصدر كتابا منذ بدء الخلقة، والكتاب لم يحك شيئا سوى حكاياته مع جسده.
بعد ذلك لم يمض وقت طويل وتحول الكاتب الشاذ إلى مخرج سينمائي، وجاء إلى المغرب بفيلم سينمائي احتفت به فرنسا ورعاياها الأوفياء في المغرب. هكذا تحول هذا الشخص من مجرد شاذ له مشاكل وجودية مع نفسه إلى كاتب ومخرج سينمائي في وقت قصير، ويا ويل من يقترب منه أو يشير إلى رداءة كتابه أو فيلمه.
هناك شباب مغاربة كثيرون كتبوا العجب ولم يأبه بهم أحد. وهناك شباب كثيرون أنتجوا وأخرجوا أفلاما رائعة فلم يلتفت لهم أحد لأنهم ليسوا شواذا.
هناك أمثلة كثيرة في مجالات أخرى عديدة، حيث صار الشذوذ الجنسي امتيازا لأصحابه، وكل من انسدت في وجهه السبل يفتح سبيلا في جسده لكي يعثر على المجد والشهرة والمال. إنه المعيار المقلوب في عالم يمشي على رأسه.
في المغرب صارت حالات الشذوذ الجنسي تتفجر كما تتفجر فرقعات عاشوراء. فقبل بضعة أيام أفرج المغرب عن البريطاني الذي تم ضبطه مع رفيقه المغربي في حالة تلبس، والسبب هو تلك الحملة الإعلامية الكبيرة ضد المغرب، إلى درجة أن وكالات سياحية كثيرة ألغت رحلاتها نحو المغرب بسبب سجن البريطاني الشاذ.
نقول دائما إن البلد الذي يعتمد بشكل كبير على السياحة، يفقد زمام نفسه ويفقد كرامته وشخصيته لأنه يصبح عبدا في أيدي لوبيات السياحة، وها نحن رأينا المغرب يرتعد أمام تهديدات لوبيات السياحة ويطلق سراح البريطاني الشاذ.
ونعيش منذ أيام على وقع فضيحة مجلجلة جديدة، تذكرنا بفضيحة دانيال غالفان، الذي كان يغتصب أطفالا مغاربة في مدينة القنيطرة كما لو أنه يتناول «بْتي بان» على رصيف مقهى. نحن الآن مع فضيحة لفرنسي جديد كان يغتصب أزيد من 11 طفلا في مراكش.
هذا يجعلنا نتذكر حكاية ذلك الوزير الفرنسي في مراكش، الذي ظل يغتصب أطفالا مغاربة حتى شبع، وعندما انفضح أمره انسل من المدينة في سلام تام، ويبدو أنهم نسوا أن ينظموا له حفل وداع رسمي في المطار.
نخاف أن نتحول يوما إلى شعب يشبه الثور «بينجي».. لا ننطح، بل فقط نحرك ذيلنا كعلامة غضب.
ساحة النقاش