المساء = عبد الله الدامون
اليوم العالمي للمرحاض.. هل سمعتم به؟
العدد :2537 - 25/11/2014
يوم الأربعاء الماضي مر اليوم العالمي للمرحاض، وأكيد أن لا أحد منا، تقريبا، سمع بهذا اليوم. فنحن نسمع عن الأيام العالمية لكل شيء تقريبا، بدءا باليوم العالمي للأم وانتهاء باليوم العالمي للبقرة، لكن لم نسمع عن اليوم العالمي للمرحاض، رغم أنه الشيء الأكثر أهمية في حياة البشر.
الغريب أننا احتفلنا يوم 18 نونبر بعيد الاستقلال، ونسينا تماما اليوم العالمي للمرحاض في اليوم الموالي. والغريب أيضا أننا بعد 58 سنة من الاستقلال لا نتوفر على مراحيض عمومية في شوارعنا. والغريب أكثر أن الاستعمار عندما خرج (يقال لنا إنه خرج) ترك الكثير من المراحيض العمومية في كل المدن المغربية تقريبا، ربما لأن المستعمرين كانوا يفهموننا أكثر من حكامنا المغاربة، الذين حولوا كل مكان إلى مرحاض، لأن لا أحد يعرف متى سيجد نفسه فجأة في قلب مرحاض عمومي، لأن المواطن المغربي يكون مارا في طريقه بسلام، وفجأة يجد نفسه وسط كومة من البول والقاذورات، فيعرف أن الأمر يتعلق بمرحاض عمومي بدون باب.. ولا بواب.
هكذا يبدو أن الاستقلال تفوق على الاستعمار في تحويل مناطق واسعة من البلاد إلى مراحيض عمومية، وفي كثير من الأحيان تنزل من الحافلة أو من القطار في مدينة أو بلدة ما فتكون أول ما يستقبلك هي روائح البول والقاذورات، لأن المسافرين والعابرين الذين لا يجدون مكانا يقضون فيه حوائجهم الطبيعة يعمدون إلى فعل ذلك في أي مكان، وهذا ما يسمى «ليبرالية الاستفراغ»، التي تفوّق فيها المغرب على كل البلدان الليبرالية في العالم.
في السنوات التي تلت نهاية الحماية، كانت أغلب المدن المغربية تتوفر على مراحيض عمومية لائقة، وأحيانا رائقة. هناك مدن كان عدد سكانها لا يفوق المائة ألف، وفيها مراحيض عمومية بلا حصر، واليوم صارت تلك المدن تزدحم بثلاثة أو أربعة ملايين من البشر ولا يوجد فيها مرحاض عمومي واحد، ومع ذلك نحتفل بذكرى الاستقلال وننسى اليوم العالمي للمرحاض.
لكن المغرب ليس البلد المتخلف الوحيد الذي يعاني أزمة المراحيض العمومية، فهناك إحصائية دولية تقول إن أزيد من مليارين ونصف المليار من البشر لا يتوفرون على مراحيض في بيوتهم، فبالأحرى في الشوارع العمومية.
المغرب يوجد طبعا ضمن هذا الرقم المفزع، لأن الملايين من سكان المدن العشوائية لا يتوفرون على مراحيض، لا في بيوتهم ولا في الشارع، وكثيرون يضطرون لقضاء حوائجهم في أكياس البلاستيك ويحتفظون بها في مكان آمن، مثل كنز، قبل أن يحملوه في الصباح إلى مكان بعيد.
في كثير من المدن المغربية تحولت حواف الأنهار الجميلة إلى مكان طبيعي لقضاء الحاجيات، وهكذا صار كل من يريد أن يتأمل الطبيعة وجمال الأنهار أن يحتاط جيدا لأنه يمكنه في أي وقت أن يجد نفسه غاطسا في قاذورات بشرية. هناك وديان وأنهار كانت تعج بالأسماك فصارت تعج بأشياء أخرى. إننا نشبه تماما تلك الكائنات التي تخرب بيوتها بأيديها.
في المغرب تنشط آلاف الجمعيات، وكل جمعية لها برنامج من مئات الصفحات وكأنها تستعد لغزو القمر. لكن لا توجد في البلد كله جمعية نشأت خصيصا من أجل تجنيب المغاربة آفات غياب المراحيض العمومية، والغريب أن هذه الجمعيات يجتمع أفرادها أحيانا في أمكنة بلا مراحيض وينتظرون حتى خروجهم من المكان للتفرق بين الزوايا المظلمة والأزقة الضيقة.
في المغرب توجد أيضا عشرات الأحزاب التي لا نعرف لماذا وُجدت أصلا، ولا يوجد من بين هذه الأحزاب كلها حزب ينص برنامجه على ضرورة خلق مراحيض عمومية للمواطنين المغاربة، مع أن أغلب زعماء الأحزاب المغربية مصابون بالسكري ويضطرون للتبول بين كل لحظة وأخرى، ومع ذلك لا يتعظون.
كان من الممكن لعدد من الأحزاب، التي لا نعرف أسباب ومعاني ظهورها، أن تختار رمز «حفرة الطّواليط» شعارا لها، وأكيد أن الناس سيصوتون على الحزب الذي يعدهم بالنضال من أجل إقامة أكبر عدد من المراحيض العمومية، لأن أصعب لحظة يحسها كائن بشري هو عندما يشتد عليه الحال فلا يجد الحل.
هناك جمعيات يمكن أن تنال الحظ الأكبر من التقريع لتقصيرها في هذا المجال، وهي الجمعيات النسائية. هذه الجمعيات تناضل من أجل كل شيء تقريبا.. إلا من أجل توفير مراحيض عمومية لائقة للمواطنات اللواتي يعانين الأمرّين في هذا المجال. فالرجل يمكن أن يراوغ الواقع والنظرات، لكن المرأة ماذا ستفعل؟
لنتذكر لحظة تاريخية خسر فيها المغرب الشيء الكثير بسبب المراحيض. فعندما كانت طنجة مرشحة لاحتضان المعرض الدولي سنة 2012، حلت بالمدينة لجنة دولية مكونة من خبراء من عدة جنسيات، فأكلوا ما لذ وطاب واستمتعوا بكل أنواع العصير تحت الخيام المزركشة، وعندما بحثوا عن مراحيض قيل لهم إن المراحيض ليست تقليدا مغربيا.. يومها خرج المعرض من طنجة ولم يعد.
ساحة النقاش