http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

فلاش بريس = محمد الأشهب

في الترجمة السياسية لمواجهة الكوارث

 

مثل ارتدادات الأجساد حين تصاب بالحمى وصداع الرأس، أبانت الفيضانات التي ضربت مناطق جبلية وصحراوية شاسعة عن اختلالات عميقة في البنيات ووسائل التأمين من الكوارث الطبيعية. ويبقى أن الترجمة السياسية لهذه المأساة مطلوبة لاحتواء التذمر وردود الأفعال الغاضبة، والوقاية من مخاطر تكرار الأحداث المؤلمة.
أول معالم الترجمة الملموسة، يتعلق بتفعيل مضمون الوثيقة الدستورية التي تحتم مرجعية التضامن، كلما تعرضت البلاد إلى كوارث، وينص الفصل التاسع والثلاثون على أن الجميع يتحمل على قدر المستطاع التكلفة العمومية التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها، بينما الفصل الأربعون يعرض إلى التضامن الجماعي بشكل يتناسب مع الوسائل التي تحتمها أعباء الآفاق والكوارث. وإذا كان في حكم الواقع المنطقي أن الضحايا وذويهم غير قادرين على ذلك، بدليل عدم توفرهم على وسائل الحماية واستخدام عربات تقليدية في التنقل، فإن العبء الأكبر من مساهمات التضامن يجب أن تتحمله الفئات الميسورة التي تأتى لها بلوغ درجات الغنى الفاحش وغيره
.
إذا لم يبرهن الرأسمال الوطني والقطاع الخاص عن أريحية تضامنية في مناسبة مؤلمة مثل هذه، فمتى سيفعلون ذلك؟ وهم الذين استفادوا كثيرا من سنوات الرخاء. وليس من المواطنة أن يخفي الرأسمال الوطني رأسه اليوم تحت الرمال، لأن إمكانات الدولة مهما كانت كبيرة، فإن المؤازرة من طرف الرأسمال تنقل واجب التضامن إلى مستوى متقدم، ينعش الآمال ويحد من تأثير الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين الفئات والمجالات، طالما أن المغاربة في غالبيتهم يعتبرون مثل هذه الأحداث من نصيب الأقدار التي لا مرد لها. إلا أن التضامن يرسخ مفهوم المواطنة والمسؤولية ويشيع ثقافة جديدة تعزز روح التكافل الاجتماعي
.
ثاني المعالم أن الأقدار وحدها لا تبرر الاستكانة إلى غضب الطبيعة، فثمة دول ومجتمعات ألفت الكوارث والزلازل والبراكين والفيضانات، لكنها اختارت مواجهتها بسلاح العلم والمعرفة والتعبئة، وتكريس سياسة التوقعات التي لا تبقي مجالا للمصادفة والمفاجأة. وفي هذا المجال تحديدا يتعين الانتقال إلى درجة ملائمة في التأمين من المخاطر. من قبيل تجميع السكان في مناطق آمنة عند اشتداد ضغوط الطبيعة. وإعادة النظر في أنواع البناء، والتجهيزات وإقرار سياسة صارمة في التصدي للبناءات الآيلة للسقوط في المدن، وتلك التي تقام بوسائل تقليدية في القرى. فضلا عن الاستعدادات المتواصلة للطوارئ. فالكوارث لا تختلف عن الحروب في قوتها التدميرية، والاستعداد للسلم لا يلغي اتخاذ إجراءات محذرة ومتطورة، ليس أقلها تشغيل الأبواق النافرة في إشعار المواطنين بالمخاطر
.
ثقافة المحاذير تحتاج إلى تراكمات، ولعل أخطر ما يثير القلق هو أن غالبية ما يصدر عن السلطات الرسمية، يكون موضع عدم الثقة، بما في ذلك النشرات التحذيرية، ما يعني غياب التواصل المقنع، حتى عندما يتعلق الأمر بمخاطر تحدق بأرواح المواطنين وممتلكاتهم، ولا يتعين التقليل من شأن هذه الظاهرة، لأن بعض جوانبها كانت من الأسباب التي أدت إلى انجراف ضحايا وممتلكات، ما يحتم معاودة تفعيل خيار التواصل والتعبئة
.
أما ثالث العوامل، فهي أن خرائط تجمعات السكان وتوزيع التجهيزات ومرافق الخدمات الاستعجالية، خصوصا في مجال الوقاية والسلامة، يجب أن توازيها خطة إعادة انتشار جديد، أكان ذلك على صعيد التجمعات السكانية في الجبال والمناطق النائية، أو على مستوى تكثيف الخدمات، بما في ذلك المستشفيات المتنقلة وسيارات الإسعاف والأطر الطبية وآليات وعناصر الوقاية المدنية، فالفيضانات لم تعد ظاهرة دورية ولكن تكرارها يشد الانتباه إلى الوضع الجغرافي للبلاد، الذي يغلب عليه حصر التجهيزات والمرافق في مناطق بعينها
.
إذا كانت القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والقوات المساعدة والوقاية المدنية دخلت على خط إنقاذ أرواح المواطنين، فالمسألة تشير إلى الحاجة إلى إقرار مخططات طموحة، يمكن للقوات المغربية بشتى أصنافها ومكوناتها أن تلعب دورا حيويا في وضعها وتنفيذها على استعجال، فقد جربت البلاد في فترات سابقة معالم خطط لغرس الأشجار وإقامة الغابات وشق الطرقات، وليس هناك ما يحول دون إعادة ترجمة مشروعات من هذا النوع لحماية السكان من مخاطر الكوارث الطبيعية
.
إننا أمام تحديات لا تترك مجالا لالتقاط الأنفاس، ومن غير المفهوم ألا تأتي مبادرات الإنقاذ إلا بعد وقوع الحوادث والمآسي، فالرؤية الاستباقية أصبحت منهجية في تدبير الملفات والقضايا، وهي إن كانت أثمرت نتائج إيجابية في التصدي لمخاطر الإرهاب والعنف، فإن وجود تحديات طبيعية محدقة بالسلامة والأمن، أمست خيارا لا بديل عنه. الوقت يضغط والأرواح تزهق والممتلكات تهدر، وليس أمام المغرب سوى إقرار خطط جريئة متوسطة وبعيدة المدى، لا فرق فيها أن تكون من مستوى قساوة الجفاف وانحباس الأمطار وزحف التصحر، أو من نوع الفيضانات والأمطار والسيول الجارفة، لأن غضب الطبيعة الجامحة واحد وإن توزعت زمجراته
.

 

المصدر: فلاش بريس = محمد الأشهب
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 22 مشاهدة
نشرت فى 4 ديسمبر 2014 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

281,659