فلاش بريس= رشيد نيني
البوصلة
بإعلان ممثل تنظيم الدولة الإسلامية بدء الجهاد في تونس والاستعداد لفصل البلد عن جنوبه، أصبح واضحا أن مشروع زعزعة الاستقرار في دول المنطقة العربية يسير كما تم التخطيط له. فيبدو أن الموجة الثانية من الربيع العربي لن تكون بأيدي وحناجر الجماهير التي أصابها الإحباط بعدما رأت دولة البوليس تعود في تونس ودولة العسكر تعود في مصر، وإنما ستكون بسواعد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الذي تسربت عروقه مثل السرطان إلى حدود كل المناطق العربية.
وعندما تتعاظم المكائد والدسائس والفتن في المنطقة العربية وتتوه الآراء وتتبلد الأفهام وتغيب الرؤية السديدة وراء سحب الدخان الخادع، فيجب أن نتوجه بالنظر نحو البوصلة التي لا تتوه، أقصد القدس.
ما يحدث اليوم على الأرض في فلسطين من اقتحام الصهاينة للمسجد الأقصى ينذر بزلزال شديد يوشك على الحدوث، وكل ما يقع في المنطقة العربية ليس سوى ستار كثيف من الدخان يرتفع من أجل حجب ما يتم الإعداد له في فلسطين.
علينا أن نتأمل جيدا ما قاله نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي من المنتظر أن يحل بالمغرب لحضور القمة العالمية للأعمال بمراكش، وبالمناسبة سيفتتح مقر السفارة الأمريكية الجديد بالرباط الشبيه ببنتاغون صغير، والذي يتوفر على أحدث وسائل الاستخبارات وكلف 180 مليون دولار.
فقد قال نائب الرئيس، الذي يعتبر الرئيس الحاكم الفعلي في البيت الأبيض، أمام قبر هيرتزل مؤسس الحركة الصهيونية، خلال حضوره مؤخرا حفلا لجمع التبرعات لإسرائيل بتل أبيب، إنه صهيوني وإنه يعد إسرائيل بدعم كلي.
من أجل أن يتحقق هذا الدعم الأمريكي الكلي لإسرائيل ومشروعها التهويدي، يجب شغل العالم العربي والإسلامي بفزاعة الدولة الإسلامية التي تزحف أطرافها كل يوم نحو حدود الدول العربية، ويجب شغل عباس ومنظمته بالصراع مع حماس وإطلاق الخطب النارية في الذكرى العاشرة لقتل الزعيم ياسر عرفات.. في وقت يصدح فيه صوت المناضل الصادق مروان البرغوثي من عقر زنزانته، مطالبا عباس بوقف التعاون الأمني مع إسرائيل وإعلان الكفاح المسلح لكي تكون المنظمة جديرة بوصية ياسر عرفات.
فيبدو أن الوقت قد حان بالنسبة لإسرائيل وواشنطن لإبادة الفلسطينيين ومقاتلي حماس، ومطاردة جيش حزب الله داخل لبنان لخنق بشار الأسد وقطع الإمدادات عنه. هكذا تكون إسرائيل وواشنطن قد ضربتا عصفورين بحجر واحد، من جهة تقضيان على المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، ومن جهة ثانية تقفل أمريكا المعابر البحرية في وجه الأساطيل الروسية التي تعتبر ميناء طرطوس السوري امتدادها الاستراتيجي.
لقد طالب الرئيس الأمريكي قبل سنوات المغرب بلائحة من الإملاءات التي تبدأ بمطالبة المغرب بلعب دور الوسيط بين إسرائيل والعالم العربي، وإخراج إسرائيل من عزلتها والتطبيع الكامل معها، في ربط غير لائق بين هذا المطلب وقضية الصحراء المغربية التي سماها أوباما في رسالته بـ«الصحراء الغربية»، وكأن الرئيس الأمريكي نسي أن المغرب دولة ذات سيادة يرجع تاريخ تأسيسها إلى 12 قرنا، وأن ملكا اسمه محمد بن عبد الله كان أول من اعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1777.
وكم كان غريبا أن الرئيس الأمريكي، الذي لا يتعب من العزف على مزامير السلام حيثما ذهب، ظل محافظا على برودة أعصابه الدبلوماسية ولم يصدر عنه أي رد فعل إزاء التهديدات الصريحة بعودة البوليساريو إلى حمل السلاح في وجه المغرب، يومين بعد الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء.
وليس الرئيس الأمريكي وحده من حافظ على لسانه داخل فمه في هذه القضية، بل مجلس الأمن نفسه التزم الصمت، فيبدو أنه لا يجيد شيئا آخر في ملف الصحراء سوى مطالبة المغرب باحترام حق «الشعب الصحراوي» في تقرير مصيره.
لقد نسي أوباما، وهو يطلب من ملك المغرب أن يقوم بدور المصالحة بين العالم العربي وإسرائيل، أن إسرائيل التي يحملها في قلبه لا تريد أن تمد يدها إلى أحد، لأنها ماضية، بفضل جميع أعضاء حكومة «بنيامين نتانياهو» المتطرفة، في تهويد القدس وطرد كل مواطن غير يهودي من فوق أرض فلسطين المحتلة. وآخر شيء طالب به نتانياهو هو مغادرة عرب إسرائيل للدولة اليهودية، رغم أنهم يحملون جوازات سفر إسرائيل ولديهم ممثلون في الكنيست.
كما يبدو أن أوباما نسي، وهو يخط رسالته بيده اليسرى، أن أعمال الحفر التي تقوم بها إسرائيل تهدد حي المغاربة في القدس بالانهيار، وهي القضية المحورية في الرسالة التي وجهها ملك المغرب إلى أوباما، فتناساها وفضل إثارة مواضيع أخرى تصب في مصلحة إسرائيل في جوابه عنها.
وهنا نفهم حجم الضغوطات التي تمارسها إسرائيل لكي لا يتولى أي عربي أو مسلم منصب الأمين العام لمنظمة «اليونسكو»، حتى يتم استكمال أعمال الحفر تحت حي المغاربة بدون أي احتجاج من طرف «اليونسكو» التي تصنف تلك الأمكنة ضمن التراث العالمي للإنسانية.
قد يقول قائل إن المغرب من مصلحته أن يقبل بالمطالب الأمريكية، خدمة لقضيتنا الوطنية التي ظلت تلجم طموح المغرب لعقود طويلة. ففي السياسة العالمية ليست هناك هدايا، وإنما هناك مصالح متبادلة، أي «وقف معايا فهادي نوقف معاك فهاديك».
لكن المتأمل في مسار الموقف الأمريكي من قضية الصحراء المغربية يكتشف جمودا واضحا عند الأمريكيين.
وعندما نتأمل لائحة الالتزامات التي أملتها الحكومة الأمريكية، سواء منها السابقة أو الحالية، على المغرب نجد أن الأخير احترم تعهداته. ومع ذلك يطالبنا أوباما بالاعتراف بإسرائيل التي تقصف جيرانها وتحتل أراضيهم، بينما يرفض الاعتراف للمغرب بحقه على صحرائه التي كانت عبر التاريخ ضمن أراضيه.
والمغرب التزم مع أمريكا على مستوى اتفاقية التبادل الحر، رغم أن الاتفاقية في صالح أمريكا وحدها، والتزم بمشروع حوار الأديان، والتزم أيام الجنرال العنيكري ببرنامج «محاربة الإرهاب»، وانخرط في مشروع محاربة نفي المحرقة اليهودية، وقبل بمشروع إعادة إصلاح الحقل الديني، حتى إن التوفيق وزير الأوقاف وظف أمريكيا عنده، وقبل بإعادة ترتيب البيت الداخلي لدار الحديث الحسنية، وسارع إلى إرسال المرشدات الدينيات إلى أمريكا للتكوين، وقطع العلاقات مع إيران وفنزويلا، وقبل تدخل وكالة التنمية الأمريكية في تمويل مشروع التوعية حول منح الكوطا للنساء في الانتخابات، وزيد وزيد...
وكل هذا لكي يأتي أوباما في الأخير ويقول للمغرب إن أقصى ما يمكنه فعله من أجل قضية الصحراء، هو أن يترك المغرب مبعوث الأمم المتحدة كريستوفر بوس يشتغل على الملف كما يحلو له، وأن يحترم حقوق الإنسان في الصحراء، وأن لا يعول على مساندة أمريكا لأن ذلك سيغضب الجزائر التي دخلت معها واشنطن في قصة عشق من نوع خاص.
الرسالة واضحة، إذن، ولا حاجة إلى مطالبة أوباما بالمزيد من الشرح. هناك من يريد لقضية الصحراء أن تظل دائما عالقة لكي يتم استعمالها كفزاعة لابتزاز المغرب والحصول على أقصى ما تريده إسرائيل من هذا العالم العربي المتهالك.
المغرب اليوم مطالب من جهته بالرد على هذه التحرشات بمواقف وقرارات. الملك كأعلى مؤسسة دستورية وضع خارطة الطريق بخطابه الأخير، وما على الحكومة والبرلمان سوى أن يلتقطا الرسالة ويضعا نصب أعينهما المصلحة العليا للوطن.
هناك قراران على الأقل يجب استحضارهما في هذه الظروف، أولا التعديل الذي تقدمت به المعارضة بخصوص قانون المالية والقاضي بمنع استيراد السلع من إسرائيل، وثانيا مشروع قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل الذي أثير في البرلمان وتم وضعه في الرفوف.
بالنظر إلى السياق العام الذي دخلته قضية الصحراء المغربية، والذي تريد من خلاله واشنطن تحديد تاريخ أبريل 2015 كأخر أجل لمهمة روس للوصول إلى اتفاق بخصوص مصير قضية الصحراء، وإلا بعدها ستفرض الأمم المتحدة على المغرب الحل الذي يلوح به كريستوفر روس، أي حل تصفية الاستعمار، مما يعتبر بالنسبة للمغرب بمثابة إعلان حرب، فإن المغرب مطالب بتحريك ورقة منظمة التعاون الإسلامي من أجل وقف العدوان على القدس الشريف، وهو العدوان الذي تريد إسرائيل ومعها نائب الرئيس الأمريكي الصهيوني شغل العالم العربي والإسلامي عنه بالحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.
يريدون منا أن ننشغل بمنع قيام الدولة الإسلامية لكي يتفرغوا هم لإرساء دعائم الدولة اليهودية فوق كامل التراب الفلسطيني، بانتظار الإعلان عن مشروع إسرائيل الكبرى من النهر إلى البحر.
ساحة النقاش