فلاش بريس = طارق أوشن
مساحيق تجميل
بداية شهر مارس 2012، اتهم النائب البرلماني عن حزب النور السلفي المصري أنور البلكيمي، ملثمين مجهولين بمهاجمته وتحطيم أنفه «الطويل». تسابق «إخوانه» في التيار الإسلامي إلى المستشفى، حيث يرقد، متهمين البلطجية بالاعتداء على الشيخ الجليل. لكن طبيبا خرج على الرأي العام المصري وقتها مؤكدا أنه أجرى للنائب المحترم عملية تجميل على أنفه بهدف التقصير، وهو ما يفسر الضمادات التي تلف الأنف المفترى عليه بالتهشيم.
الأنف السياسي المغربي ليس أنفا بلكيميا حتى يحتاج إلى عملية تجميل، بل هو أنف بينوكيوي (نسبة إلى بينوكيو) لا يلبث أن يفضح صاحبه كل يوم.
نشرت بعض المنابر الإعلامية أن أحد مستشاري رئيس الوزراء المغربي انتقد، في تدوينة له بحسابه «الفايسبوكي»، وضع النائبات البرلمانيات عن حزب العدالة والتنمية مستحضرات تجميل على وجوههن بكيفية تعلو عن المعدل الطبيعي من رموش اصطناعية و«روج»... وتساءل إن كان ذلك بداية تحول لدى «أخواته» وتطبيعا مع الأمر، أم هو فتوى جديدة تبيح الماكياج الظاهر جدا. لم يهتم المستشار المحترم لكل هذه المساحيق التي تستخدم في الحقل السياسي المغربي لدرجة لم يعد بالإمكان التفريق فيها بين الصالونات السياسية وصالونات الحلاقة والتجميل. وعندما تغادر السياسة مربعها الأصلي المبني على النقاش الرصين ومقارعة الحجة بالحجة والبرنامج بالبرنامج البديل، فاقرأ السلام على شيء اسمه «الأخلاق السياسية». هذا المصطلح الذي اكتشفه الساسة والكتاب والصحافيون، فجأة، وهم يرون سيارة رئيس جماعة الشراط، رباعية الدفع، تغرقها مياه «ضحلة» لم تتجاوز المترين في حادث مأساوي على المستويين الخاص والعام. لكن الاكتشاف الحقيقي، كان كل هذا الكم الهائل من مساحيق ومستحضرات التجميل التي صرفت للسير في جنازة الفقيد من لدن كثير من كائنات «مستنقع القبح السياسي المغربي»، بالشكل الذي مكنها من تبادل تعازي النفاق السياسي المصاحب للأسطوانة المكرورة أمام الميكروفونات، قبل العودة يوما بعدها إلى قبة البرلمان،حيث«وصلة الردح»وما يستتبعها من تبادل الشتائم والاتهامات بالكذب والمتاجرة بأحلام المنتخبين.
السياسيون المغاربة تعودوا على الكذب وادعاء محاربة الفساد، رغم أنهم يخفون الحقائق ويتسترون على الرشاوى ولو تمت داخل البرلمان، وهم بذلك لا يحتاجون لا لمستحضرات ولا عمليات تجميل، بل لعمليات ترميم بكارة «سياسية» مهدورة. لكنها عمليات فاشلة، لا محالة، بعد أن استطاب كثير من الأقطاب النوم في فراش سلطة لا يرضون عنها بديلا ولو على فراش المتعة المحرمة. أما الآخرون، فلحداثة سنهم بالسياسة وبممارسة «الحكم»، ينسون في غمرة الانتشاء أخذ الاحتياطات لدرء كل خطيئة تفضح «جنوحهم» السياسي، فتكون النتيجة افتضاضا لـ«بكارة ناشئة» هي أعز ما يبحث عنه من يملكون الحل والعقد في المشهد المغربي، مهما كلفهم الأمر صبرا وانتظارا لاستدراج الطريدة إلى الفراش المخملي.
وبين هؤلاء وأولئك «عدميون» متحمسون أو تائبون يُنظّرون لـ«الطهارة والعزة والعنفوان»، وهم لا يكفون عن التلصص على «الفراش»، علهم ينالون حظهم منه ذات لجان استشارية أو مجالس وطنية صارت تقتات من فتات هوى وهوت معه القناعات كما الشعارات.
قبل أيام أقدمت ناشطة مصرية معروفة على الانتحار، فتداول أصدقاء زينب المهدى رسالتها الأخيرة حيث خطت الكلمات التالية: «تعبت.. استهلكت.. ومفيش فايدة! كلهم ولاد كلب.. واحنا بنفحت في مايه. مفيش قانون خالص هيجيب حق حد بس احنا بنعمل اللي علينا.. أهه كلمة حق نقدر بيها نبص لوشوشنا فى المراية من غير ما نتف عليها. مفيش عدل.. وأنا مدركة ده.. ومفيش أي نصر جاي.. بس بنضحك ع نفسنا عشان نعرف نعيش».
ارحموا شباب الأمة يا تجار الدين والسياسة، فقلوبهم أرهف من أن تتحمل رؤية الأنوف تتمدد يوما عن يوم دون حسيب أو رقيب، وقناعاتهم أشرف من أن تدنسها «وساخة» ضعاف نفوس لم تعد حمرة الخجل تصبغ وجوههم مهما خففوا من لحى أو أجهزوا على شوارب.
ساحة النقاش