فلاش بريس = حسن البصري
الدفاع عن مصالح البسطاء معكوسة
استغربت كباقي خلق الله، وأنا أتابع الأسئلة الشفوية الموجهة من طرف ممثلي الأمة إلى أعضاء الحكومة، خلال جلسة الأسئلة الشفوية لمجلس المستشارين، عجبت من سؤال لا يخلو من غرابة وتعسف على حقوق البسطاء، حين طلب المستشار «المحترم» من الوزير «المحترم» القيام بإجراءات رادعة للحيلولة دون تنامي ظاهرة الدراجات ثلاثية العجلات «غير المحترمة»، مبررا مطلبه بالفوضى الناتجة عن هذا الأسطول، معتذرا في الوقت نفسه للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية عن انتقاده لمشاريعها التي تواكبها القنوات الرسمية، داعيا إلى البحث عن لقمة عيش للضعفاء بعيدا عن الدراجات التي تقلق المستشار ورفاقه.
في هذه الجلسة كانت أغلب أسئلة المستشارين تنصب على وقائع حصلت لهم، فتأخر طائرة الخطوط الجوية عن موعدها وضعف التواصل مع المضيفات، تحول إلى سؤال شفوي موجه إلى نجيب بوليف، الذي لم يجد بدا من التدخل بخيط أبيض لتلطيف الأجواء بين المستشار وبنهيمة.
لكن حين كان المستشار يطالب بوقف أسطول الدرجات ثلاثية الدفع، كان أصحاب الدراجات النارية ثلاثية العجلات في منطقة قريبة من الدائرة الانتخابية للمستشار، يحتجون ضد ابتزاز الدرك الملكي، ويطالبون بحقهم في الركض وراء لقمة عيش هاربة. مطالبين السلطات المحلية بمنحهم فضاء لركن دراجاتهم غير المرغوب فيها في كثير من مدن المملكة. وفي القصيبة قام برلماني الدائرة بدعوة الساكنة إلى مقاطعة سيارات الأجرة بعد أن رفعت سومة الركوب، مشجعا الإقبال على النقل السري والعلني عبر الدرجات ثلاثية العجلات، ضدا على قرار زميله في مجلس المستشارين.
صحيح أن عددا من خريجي السجون المغربية استفادوا من هذا النوع من الدراجات، وقرروا الاندماج من جديد في المجتمع والبحث عن كسرة خبز مبللة بالمعاناة، إلا أن بعضهم ركب رأسه بدل ركوب الدراجة، وتذكر غاراته في المعتقل وجاذبية «القفة» الأسبوعية، فتحولت هذه الوسيلة إلى ما يشبه شهادة سجل عدلي مليئة بالسوابق، لكن هناك أغلبية صامتة تقتات من «موطور الخطر» كما يصفه البيضاويون، فتقرر خوض امتحان استدراكي في الحياة بعيدا عن تجربة المعتقل، أو كما كتب أحدهم على الباب الخلفي للدراجة «خوك حباس وكيحب الناس».
لا يمكن لمشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أن تخلو من هدير محركات الدراجات ثلاثية العجلات، فهي تساهم في التشغيل المباشر للمعطلين والبسطاء، لذا عمل البعض على تطوير هذه الناقلة وتحويلها إلى دراجة مجهزة بصناديق التبريد تساعد على تسويق السمك على نحو لائق، وتبريد رؤوس قادتها السخونة المفرطة إلى المعتقل. وغالبا ما يتم إشراك منظمات عالمية في هذا المجهود، ناهيك عن مؤسسات الدولة لكسب رهان الحرب على الفقر، بل إن الاستفادة عمت باعة الحلزون وكل الحرف التي تتطلب وسيلة نقل ثمنها قليل وأجرها كبير.
لا يوجد في المغرب وال أو عامل لم يوزع هذا النوع من الدراجات على المستفيدين من مشاريع التنمية البشرية، كما لا يوجد شرطي مرور في المغرب لم يكتو بنار الصراع مع أصحاب هذه الدراجات، بل إن عددا من المستشارين والنواب حضروا عمليات التوزيع وباركوها بالتصفيق، قبل أن ينتقدوها لمجرد خلاف مروري، لتنتقل المعركة إلى قبة البرلمان.
في تلك الجلسة البئيسة، ترك المستشارون الأمور الجادة جانبا، وتساءلوا عن غياب التواصل واقتحام «التريبورتور» للمشهد المروري، وسر تدني أداء البطولة، وتأخر الأمطار والصفقات والغبار المتطاير من مصنع للإسمنت، وقس على ذلك من الأسئلة التي تمر بمحاذاة انشغالات الشعب المغربي.
انتهت جلسة الأسئلة الشفوية، وتبين أن بعض ممثلي الأمة يسقطون في المحظور حين يشنون حربا على الفقراء بدل التصدي للفقر، فيحولون وسيلة رزق بسيطة إلى نعش طائر، فقط لأنهم يسعون إلى تطهير الطرقات من الدراجات ثلاثية العجلات كي لا يزعجوا سياراتهم رباعية الدفع التي تعاني من حساسية مفرطة من دخان «التريبورتورات».
ساحة النقاش