فلاش بريس = حسن البصري
«راه راه والغوت وراه»
عندما وصل عيسى حياتو إلى مطار محمد الخامس قادما من الجزائر، عرف بهو المطار حركة غير عادية، وهرع أعضاء من الجامعة الملكية المغربية لاستقباله وهم يركضون بعد أن تأخروا عن موعد وصوله. كما حضر حشد من الصحافيين لتغطية وقائع وصول إمبراطور الكرة في القارة الإفريقية، وخاضوا مواجهات مع الحرس الخصوصي والعمومي من أجل الظفر بصوت أو صورة للرئيس المبجل الذي كان يستعجل مغادرة المطار بسبب نوبة إعياء اجتاحته.
همس مستشار الرئيس في أذنه وذكره بموعد مع طبيب في الرباط، مقترحا إلغاء مواعد المساء والسهرة، لينطلق موكب حياتو صوب العاصمة الرباط، ويتوجه مباشرة إلى عيادة خاصة خضع فيها لعملية تصفية الدم، بسبب شعور الرجل بقصور كلوي حاد.
تزامنت زيارة عيسى مع الاحتفال بعاشوراء، ومن خلف الزجاج الداكن للسيارة، لاحظ مرافقو الرئيس القنابل والصواريخ والشهب النارية تملأ فضاء العاصمة الرباط وما جاورها، فاعتقدوا أن المغاربة خصصوا احتفالا يليق بإمبراطور الكرة في القارة، قبل أن ينبههم الجزائري راوراوة إلى حقيقة طقوس عاشوراء التي لا علاقة لها بجدل كأس أمم إفريقيا.
ولأن صحة ضيف المملكة تهم الجميع، فقد توسم الوزير ومن يدور في فلكه خيرا في الزيارة، واعتقدوا أن عيسى سيكافئهم على ما قاموا به من جهود لتكون الزيارة «حج وحاجة»، شغل وعلاج، إلا أن الحالة الصحية للرجل قلصت دقائق مواعده إلى الأقصى، واختار ما قل ودل لإعلان رفض مطلب الحكومة المغربية الرامي إلى إرجاء العرس الإفريقي، وبرأ «إيبولا» من تهمة التأجيل إلى موعد غير لائق. ولأن عيسى حياتو استقبل في الجزائر من طرف عبد المالك سلال، رئيس الوزراء الجزائري، فإن أوزين رتب لقاء بين رئيس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم وعبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المغربية، بحضور عبد الله باها الرئيس الفعلي لبنكيران، لكن الاجتماع لم يدم سوى بضع دقائق تبادل فيها الحاضرون المجاملات، وتبين أن رئيس الحكومة لا علم له بـ«الكاف» ويفضل إلغاء التظاهرة بدل تأجيلها.
قبل أن يودع عيسى بنكيران، قال له عبارة لا تقبل التأويل، كما يقول الفقهاء، «أخشى أن يغادر المغرب الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، بعد مرور ثلاثين سنة على مغادرة منظمة الوحدة الإفريقية»، كان الخطاب سياسيا لكنه ملفوف في ثوب رياضي، لذا تركه يحلل ويناقش القولة وانصرف لملاقاة رئيس الجامعة.
تحمل المغاربة فاتورة علاج رئيس الكونفدرالية وإقامته في جناح خاص بالمصحة، كما تحملت الجامعة الملكية المغربية فاتورة السفر إلى ياوندي لتجديد ملتمس التأجيل، ونفقات إقامة الرئيس ومن معه في فندق بالرباط، وما تتطلبه الزيارة من «صواب».
وحين كان الوزير أوزين يشرح لحياتو خطورة الوباء، الذي أصبحت المخاوف منه توازي الخوف من «داعش»، ويطلعه على تقارير منظمة الصحة العالمية، ويعلن قلق الحكومة المغربية وخوفها على صحة المواطنين والوافدين، كانت أمام رئيس «الكاف» صحف مغربية ترسم معاناة المغاربة مع الصحة، حيث تتصدر صورة ولادات في الشارع العام ووفيات بسبب قصور طبي أكثر صعوبة من القصور الكلوي لعيسى. بل إن وكالة المغرب العربي للأنباء كانت تعرض تصريحا لعلاء الدين العلوان، المدير الإقليمي لشرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية، من مؤتمر طبي بمراكش، يزرع الثقة ويبدد المخاوف ويشكر المملكة على الإجراءات «الفعالة» التي قامت بها من أجل مواجهة خطر فيروس «إيبولا». بسبب أعراض المرض البادية على حياتو، فوض الرجل لرئيس لجنة الإعلام الرد على استفسارات بعض الأعضاء الجامعيين والصحافيين، وشد الرحال إلى المطار عائدا إلى عاصمة بلاده ياوندي، ركض بعض الأعضاء خلف الرجل لتوضيح الواضحات، لكنه أدلى بشهادة طبية تعفيه من الكلام المباح إلى ما بعد انتهاء المهلة التي منحها للمغاربة، وفي الطريق إلى المطار طلب من مستشاريه البحث عن «تريتور» آخر لتنظيم الحدث في موعده، رغم أن «الكان» كـ«عرس ليلة اللي تدبيرو عام».
غادر عيسى المطار بدون صخب، ولم يجد في وداعه إلا مستشار مغربي واحد، لكنه كتم الغيظ، وطبق نصيحة الطبيب الذي دعاه لتجنب «الستريس»، حتى لا يحل بيننا وهو حياتو ثم يغادرنا باسم مماتو.
ساحة النقاش