فلاش بريس = حسن البصري
استعمال الزمن المغربي
انتظر المغاربة من المندوب السامي للتخطيط الإفراج عن نتائج الإحصاء العام، فقدم فاصلا مثيرا عبارة عن دراسة حول استعمال الزمن اليومي للمغاربة، همت عينة تقدر بـ9200 أسرة في جميع مناطق المغرب.
استأثرت نتائج الدراسة باهتمام المواطنين، رغم أنها «سكانير» قديم يعود تاريخه إلى سنة 2012. لا يهم فالمضمون صالح للاستهلاك إلى غاية خروج نتائج الإحصاء إلى الوجود.
حسب الاستعمال الزمني اليومي للمغاربة، فإن النوم ينال حصة محترمة من وقتنا، لأن ثماني ساعات تكفي للاسترخاء وتجديد الطاقة، ومنح الجسم الحد الأقصى من الراحة. الدراسة لم تتحدث عن الأرق الذي يصيب كثيرا من المغاربة ويقلص تعبئة النوم التي في رصيدهم، علما أن ارتفاع ساعات النوم لدينا ناتج عن القيلولة التي تميزنا عن كثير من الشعوب، في ظل قاعدة تحثنا على النوم بعد تناول وجبات الغداء، ولو في مقرات عملنا بناء على نصيحة يجهل مصدرها تحرض على النوم: «تغذى وتمدى»، علما أن القيلولة المغربية يمكن أن تمتد إلى أربع ساعات رغبة من المرء في الإنصات الهادئ لعظامه.
المغاربة ينامون حين يجثم عليهم التعب، ويهجر الرقاد عيونهم حينما تحاصرهم مشاغل الحياة وتحاصرهم التزامات مؤجلة الدفع، لكنهم لا يواجهون الأرق بالقراءة كما يفعل الألمان، أو بأقراص النوم كما يفعل الفرنسيون، بل بدفن الرأس في الوسادة واستعطاف سلطان النوم.
في غياب الدعم الحكومي الذي يركز على الشاي والسكر والزيت والدقيق والبنزين، دون أن يطال الكتب وكل وجبة مقروءة، على غرار دول عربية عديدة، فإن المغاربة ينشغلون بقراءة فواتير الماء والكهرباء وإشعارات الضرائب ويوميات «الكريدي» التي يؤلفها البقال والخضار، وكل الشركاء الذين يرتبط معهم بديون مؤجلة الدفع وجدولة شهرية كلما زاد حجم الاختناق.
تقول الدراسة إن المواطن المغربي ينام أقل من الفرنسي بحوالي 52 دقيقة، معنى هذا أن الباحثين استندوا إلى دراسة سابقة أنجزت حول استعمال الزمن اليومي للفرنسيين، والتي استلهم منها مكتب الدراسات مقارنته.
ولأن النوم غير مؤدى عنه، ولم تمتد إليه فواتير الحكومة، فإن المغاربة يقبلون عليه مرتين في اليوم، لمن استطاع إليه سبيلا، في انتظار إخضاعه لفاتورة تجعل المرء يدفع ثمن الاسترخاء.
حسب دراسة المندوبية السامية للتخطيط، فالمغربي يشتغل أكثر من المواطن الفرنسي، طبعا دون تحديد نوعية الشغل، وينام أقل منه، لكنه يستغرق في الأكل ساعة و28 دقيقة في اليوم، دون تحديد نوعية وطبيعة الوجبات، التي غزتها الوجبات السريعة إلى درجة استغناء كثير من الأسر على وجبات أساسية وتعويضها بـ«ساندويتشات» سريعة الهضم وضعيفة التكلفة.
تعد دراسة مندوبية لحليمي بمثابة شهادة حسن السيرة والسلوك للمغربيات، فقد أكدت المعطيات الرقمية أن النساء أكثر تدينا من الرجال، رغم أن المساحة المخصصة لهن في المساجد لا تتجاوز 10 في المائة من المكان الرجالي. فالمرأة المغربية، والعهدة على لحليمي، تخصص للصلاة والتعبد 72 دقيقة في اليوم، وهو رقم سيشغل بلا شك المصالح الاستخباراتية التي ستدقق في هذا المعطى، خاصة أمام تنامي ظاهرة استقطاب المغاربة والمغربيات لصفوف المنظمات المتطرفة. لكن الدراسة ذاتها تقول إن الفتيات يدرسن أكثر من الذكور، ويقضين ساعات أكثر في المدرسة، وليس في الفصول، وهن الأكثر رغبة في التحصيل من نظرائهم، وحرصا على تكسير كثير من الإضرابات التي يحفل بها المشهد التعليمي في بلادنا.
انتهت دراسة استعمال الزمن، في انتظار دراسة أخرى للمندوبية السامية، حول استعمال الراتب الصغير لتدبير زمن مليء بالنفقات، واستعمال العصا لتفريق المتظاهرين الخارجين عن طوع الدراسة، دراسة لحليمي طبعا.. وكشف بدائل الأسر التي تقلص وجباتها إلى الأدنى، ضدا على مقولة تقول: «تعشا وتمشا»، مع الحذر من دورية ليلية تصطاد هواة المشي المسائي.
ساحة النقاش