فلاش بريس = طارق أوشن
البؤساءالبؤساء
قبل أشهر هاجم وزير العلاقات مع البرلمان الحبيب الشوباني عددا من المنابر الإعلامية الورقية والإلكترونية وشبهها بالذباب الباحث على الدوام عن مكبات النفايات (الزبل) للتجمع بدل المرور على حقول الزهور كما النحل لإنتاج عسل ينفع الجميع. حدث هذا بعد أن تحول «سيادته» ذات جلسة برلمانية إلى خياط عارف بخبايا أزياء البرلمان، يقيس الطول والعرض ويختار اللون، وإلا كان الطرد نصيب كل من سولت لها نفسها الحضور إلى «القبة» بفستان أزرق وجوارب سوداء ونظارات طبية سميكة تثير شهوات الحضور من البرلمانيين والوزراء. المصادفة أن المطرودة بأوامر خياط «العدالة والتنمية» لم تكن غير صحافية اعتقدت نفسها «نحلة» في حقل زهور.
علاقة الصحافة بتجارب الحكم «الإسلامي» القصيرة، شهدت في كل بلدان العرب سوء فهم كبير، حيث انتظر «الإخوان» من الصحافيين تمجيد «التجربة» نكاية في من كانوا يعتقدونهم خصوما للجميع. لقد غاب عن «الحكام» الجدد أنهم صاروا جزءا من سلطة تقع تحت طائلة الرقابة الشعبية التي تشكل الصحافة، نظريا، جزءا من آلياتها. من هنا، يمكن فهم الهجمة المتواصلة التي تتعرض لها كثير من الهيئات الصحفية بتهمة «بيع الماتشات» وفقدان المصداقية وهلم اتهامات ومضايقات.
في الأسبوع الماضي لم يجد رئيس الحكومة، السيد عبد الإله بنكيران، غير كلمة «البؤس» ليصف واقع الصحافة المغربية، بعد أن كان اشتكاها للأغراب ذات زمن ليس ببعيد.لم يخطئ رئيس الحكومة في وصفه بل إنه أجاد التوصيف فعليا لحال«حملة» القلم ومنتجي الصورة ببلادنا. فالصحافيون المغاربة بؤساء بالفعل لا بالقول على مستوى وضعهم الاجتماعي المتردي في غالبه، كما شرائح كبيرة من الشعب المبتلى بحكومة «بوكو كلام»، لدرجة أن «الكتائب الإلكترونية» المعروفة استنكرت على مستخدمي القناة الثانية حملهم الشارة كإعلان انخراط في الإضراب العام الأخير، واعتبروا الأمر سابقة، في جهل تام لتاريخ قريب حمل فيه نفس المستخدمون ذات الشارة وعلى الشاشة نفسها، نهاية الألفية السابقة، في أول احتجاج نقابي شهدته قناة تلفزيونية عربية عمومية، اضطرت معه القناة إلى تأخير نشرتها المسائية لما يقرب الساعة عن موعدها المعتاد بسبب رفض مقدم النشرة يومها، شعيب حمادي، نزع الشارة الحمراء إلا بعد مفاوضات «عسيرة» انتهت باتفاق وسط بين الإدارة والمستخدمين.
الصحافيون المغاربة بؤساء بالفعل لأنهم يشتغلون في انتظار قانون يؤطر مهنتهم تتهرب الحكومة من إخراجه للوجود. هم بؤساء لأن قانون الوصول إلى المعلومة، الخبز اليومي للصحافي، لا يزال رهين روتين تشريعي قاتل. هم بؤساء لأن وزراء في حكومة بلادهم يتمنعون عن مدهم بالحوارات والتصريحات تبعا لأهواء شخصية لا تليق بـ«رجال» دولة، وكأن تصريحات «سياداتهم» منة وليس واجبا في الإخبار والتواصل مع العامة من الجمهور. هم بؤساء لأن أصحاب القرار في بلدهم يختارون المواقع الإلكترونية لأحزابهم لمدها بالمقابلات أو الجرائد والقنوات الأجنبية للإطلالة«البهية» على الشعب دونا عنهم. هم بؤساء لأن الحكومة التي «قاتلت» من أجل تضمين دفاتر التحملات التلفزيونية مادة تتيح للحكومة الظهور متى استدعت الضرورة ذلك، في برنامج خاص، تنازلت عن هذا الحق بعد اللقاء الشهير الذي انتهى بشباط ضيفا على القناتين بعد أن منحته الهاكا حق الرد. الصحافيون المغاربة بؤساء في ظل دولة لا يمكن للصحافي أن يترقى فيها إلا بانتماء حزبي، يجعله مديرا لقناة أو كاتبا عاما لوزارة أو وزيرا لقطاع ولو لم تكن له أية إسهامات في المجال. البؤساء في بلدي ليسوا فقط صحافيين، بل فيهم موظفون يقتطع من أجورهم لمجرد المشاركة في ممارسة حق دستوري،ويتامى لا يصلهم من دعم الدولة غير الفتات،وطلبة لا يجدون من يتدخل لصالحهم للحصول على سكن جامعي،ومعطلون لا سند لهم لولوج فترات تدريب في مؤسسات عمومية أو الاشتغال في مؤسسات كبرى وراء البحار، وعشاق لـ«السمر» لا ينقذهم من الاعتقال هاتف مسؤول حزبي أو حكومي...
البؤس في بلدي «ماركة مسجلة» توارثته الحكومات وتقاذفته ككرة نار لهيبها سيحرق الجميع لا محالة ولو بعد حين..
ساحة النقاش