فلاش بريس = محمد الأشهب
بين الاستقرار والديمقراطية والتنمية
لن تكون العملية السياسية في المغرب بمنأى عن التأثر بمآل التشريعيات التونسية.وإن كان الاعتقاد السائد أن«العدالة والتنمية» يستند إلى رصيد غير الذي توفر لحزب النهضة التونسية، كونه تمرس في المعارضة واستفاد من تآكل رصيد أحزاب أخرى، عدا أن التغيير السياسي الحاصل في المغرب لامس بنيات التداول وأبقى على مرجعية الدولة، حامية المؤسسات.
إذا تركنا جانبا حظوظ «العدالة والتنمية» فإن شركاءها في الائتلاف الحكومي لن يكونوا بعيدين عن الاكتواء بأي تململ في مشاعر الناخبين. أقرب إلى ذلك أن الحزبين الرئيسيين اللذين شاركا النهضة في حكومة الترويكا، وهما «التكتل» و«المؤتمر من أجل الجمهورية» تلقيا هزيمة شنعاء هوت بهما إلى درجة متدنية. ولم يكن الأمر كذلك بالنسبة لحزب «النهضة» فقد أنزلته من عرش الصدارة وحافظ على المركز الثاني بعد«نداء تونس». ويعزى ذلك في غالب الظن إلى فترة الصراع التي سادت قبل تشكيل حكومة تقنوقراطية، إضافة إلى تراجع زخم الحركات الإسلامية. وإن اختلف مسار الحزب التونسي عن «الإخوان المسلمين» في مصر، وعن صراع الميليشيات المحتدم في ليبيا.
غير أن بروز لاعبين أساسيين في التشريعيات التونسية،يشير إلى اندحار الأحزاب الصغيرة.وفي المغرب تحديدا، لا يزال السؤال مطروحا حول كيفية الوصول إلى إفراز غالبية متجانسة في تشريعيات العام 2016، مع استمرار وجود أزيد من 32 حزبا سيخوضون ضمنيا غمار المنافسات المرتقبة. معنى ذلك بكل وضوح أن الذهاب إلى الاقتراع المقبل بهذا الكم الهائل من الأحزاب قد يسهم في تشتيت أصوات الناخبين، من دون إغفال استمرار بعض الممارسات السلبية في حيازة التزكيات الحزبية، بخاصة عندما تصبح بعض الأحزاب أقرب إلى دكاكين منح التزكية.
رهان القطبية الثنائية لم يتبلور بعد. هناك مساع في التنسيق بين فصائل المعارضة، لكنها لم تصل إلى الحد الذي يقطع مع الهواجس الانفرادية. وعلى الطرف الآخر هناك حالة من الانتظار، لأن الائتلاف الحكومي أملته اعتبارات التدبير المستند إلى تحالف تأمين الغالبية، ومن المستبعد أن يتطور في اتجاه آخر، إلا إذا أخذ«العدالة والتنمية» زمام المبادرة وحول الائتلاف الحالي إلى قطب حزبي. السؤال هل تقبل أحزاب مثل الحركة الشعبية وتجمع الأحرار الانصياع إلى هذه الرغبة إذا جرى التعبير عنها؟ وهل «التقدم والاشتراكية» سيواصل تحالفه مع خصوم الأمس، وهو يرى بالعين المجردة أن الحزبين اللذين شارك معهما ملح الطعام على عهد «الكتلة الديمقراطية» يمضيان قدما؟
لا يوجد دستوريا وقانونيا ما يحول دون تكاثر أعداد الأحزاب، فقد قطعت البلاد مع فكرة «تكييف الحضور الحزبي» غير أن الأهداف المتمثلة في الوصول إلى إفراز غالبية منسجمة تحتم البحث في حلول سياسية لهكذا اختلالات، من دون أن يعني ذلك أي تقييد لحركة انبثاق الفعاليات الحزبية والاستئناس بدور المجتمع المدني، وقيام حياة سياسية نشطة ذات روافد مؤثرة داخل الرأي العام.
ولو أن الإضراب العام يرتدي في طابعه مواقف سياسية، بخاصة في ظل اصطفاف المركزيات النقابية الأكثر نفوذا إلى جانب أحزاب المعارضة، لاعتبارات تطال معطيات ارتباط العمل النقابي والحزبي معا، وإن كانت هناك مساحات فاصلة، كما هو حال «الاتحاد المغربي للشغل» فإن مروره في ظروف هادئة، يفيد بأن التجربة المغربية بلغت درجة من النضج. وحتى عند افتراض أن الحدث كان أقرب إلى حركات تسخين تسبق الاستحقاقات الانتخابية، فإن الوعي النقابي والسياسي يلتقيان عند أهمية صون الاستقرار والسلم الاجتماعي. لأنه كيفما كانت ضغوط الإذعان إلى خيار السلم، فإنها لا تتعارض والتعبير المستمر عما يخالج فئات العمال وشرائح المجتمع من مطالب وتطلعات.
في الإمكان استخلاص أن الإضراب العام شكل مؤشرا دالا بالحرص الشديد على استقرار البلاد، وبالتالي فإن كان أشبه بمنافسة مفتوحة بين المركزيات والائتلاف الحكومي، فالمتوقع أن تمضي المنافسات الانتخابية على وحي من هذه الصورة الحضارية. غير أن الإعداد الجيد للاستحقاقات القادمة يتطلب جهودا مضاعفة لتعزيز هذه الروح البناءة.
المغرب بلد مستقر، لاشك في ذلك، ولن تثنيه أنواع التهديدات عن التقدم بثبات لدعم هذا الخيار الذي أصبح بمثابة تاج فوق الرؤوس لا تراه إلا البلدان التي تعاني من الفوضى والاضطرابات والصراعات. وإذا كانت تونس نجحت في الانضمام إلى نادي البلدان الديمقراطية، فالأمل معول على نجاح المغرب الذي كان سباقا في خياراته في أن يجمع بين الاستقرار والديمقراطية والتنمية، ودور نخبه الحزبية يتمثل في ترسيخ هذا الاختيار أولا وأخيرا.
ساحة النقاش