المساء = حسناء زوان
ما بْقى صْبر...
العدد :2514 - 29/10/2014
ما تعيشه العديد من المدن المغربية من احتجاجات على ارتفاع فواتير الماء والكهرباء لا يعني سوى شيء واحد.. أن المواطن المغربي البسيط لم يعد يطيق جحيم الزيادات التي صار يكتوي بها دون أن يجد من يحميه منها أو يتفهم معاناته. فيما الحكومة مستمرة في لعبة «تغماض العينين» وكأنها غير معنية بالأمر أو تكتفي بإصدار بلاغات تطمينية كما فعلت الوزارة المنتدبة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة حين أصدرت بلاغا توضح فيه أن التعديلات الأخيرة في فوترة الماء والكهرباء لم يكن لها تأثير كبير على الصعيد الوطني. إذا كان الأمر فعلا كذلك، فلماذا كانت هاته الاحتجاجات في الرشيدية وفاس وتطوان ومكناس ومدن أخرى.
لا أدري ما إن كانت الحكومة تدرك جيدا أن مثل هاته الاحتجاجات هي التي كانت وقود الثورات في الدول المجاورة، وأن العديد من الاضطرابات تبدأ بمطالب اجتماعية بحتة قبل أن تتحول إلى مطالب سياسية، وإلى ثورات في ما بعد. لكن رئيس الحكومة عندنا يبدو مطمئنا إلى أن المواطن المغلوب على أمره يتفهم الوضع جيدا، وأنه يمكن أن يتحمل و»يزيّر السمطة» كي تقوم الحكومة بإصلاحاتها! لكن إلى أي حد؟ فـ»للصبر حدود»، كما تقول أم كلثوم، والذين لم يستطيعوا الاحتجاج الآن قد يحتجون غدا، والغالبية الصامتة اليوم قد تنطق غدا؛ وحين تنطق هاته الأغلبية فلا مجال للحديث آنذاك عن الاستثناء المغربي الذي صار أسطوانة مشروخة شبيهة بالأسطوانة القديمة «كولو العام زين».
ما لا تفهمه حكومة بنكيران ولا الأحزاب الأخرى التي تسمي نفسها معارضة أن المغاربة لا يعاقـِبون فقط انتخابيا، مادام هاجس هاته الأحزاب كلها، حاليا، هو انتخابات السنة المقبلة؛ إذ باستطاعتهم، أيضا، أن يعاقبوا بطرق أخرى قد تكون قاسية. وإذا كانوا يضعون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار ويريدون أن يظل هذا البلد آمنا، فهذا ليس معناه أن نستغل حِلم هؤلاء المغاربة البسطاء، ونبدأ في جلدهم يوميا بالزيادات في كل شيء: النقل، المواد الغذائية، الماء والكهرباء...، دون أن نقدم إليهم أي خدمات في المستوى، ودون أن نشعرهم، هم الآخرين، بمواطنتهم.
المغربي البسيط صار يحس بكونه مواطنا من الدرجة العاشرة أو أكثر، ولم يعد يشعر بأي تحسن في معيشه اليومي، وصار محاصرا بالأزمات والديون، ولا يأمل أي خير في المستقبل مادام المسؤولون يحملونه تبعات الفساد الإداري والمالي الذي يتورط فيه المسؤولون الكبار، ويريدونه أن يتحمل لوحده تلك التبعات، وأن يغرق لوحده في مستنقع الزيادات وكل الكوارث التي تصيب هذا الوطن، فيما آخرون يقتسمون الكعكة وحدهم بعيدا عن الضجيج وعن أي مساءلة.
سياسة النعامة التي صارت تمارسها حكومة بنكيران والمزايدات السياسية العقيمة التي تنهجها أحزاب المعارضة تضر، بالأساس، بهؤلاء المواطنين البسطاء؛ لكنهم لا يدرون أن البسطاء حين يغضبون فلا أحد يستطيع أن يطفئ غضبهم، ولا أحد يستطيع النجاة من غضبهم؛ وما يحدث حولنا في الدول المجاورة مجرد نموذج بسيط لهذا الغضب. وإذا استطاع المغرب أن يبعد النيران عن ثيابه في المرة الأولى، فهذا ليس معناه أن النيران انطفأت. وللأسف، فهاته الزيادات المتتالية في كل شيء وهذا التدهور المعيشي، الذي يحس به المغاربة وصار يؤرق بالهم، قد يكون هو الجذوة التي قد تشعل تلك النيران من جديد إذا استمر الوضع على هذه الحال.
ساحة النقاش