فلاش بريس = محمد الأشهب
لماذا لا يشارك المجتمع المدني في الانتخابات؟
لا ينبغي أن يفهم دور المجتمع المدني أنه ينافس الأحزاب أو يقلل من شأنها، أو يطمح لسحب البساط من تحت أقدامها. فكما الدستور حسم في المسؤولية الريادية للأحزاب في تأطير المجتمع «وتعزيز انخراط المواطنين في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشؤون العامة» فإنه خص المجتمع المدني في فصله الثاني عشر بكثير من الاهتمام، من خلال التأكيد على مساهمة «الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية».
لتقريب الصورة أكثر يتعين الإقرار بأن المسؤوليات الحزبية يعتريها نوع من الفتور والتردد وعدم مواكبة التطورات التي يعرفها المجتمع، أقله على صعيد إحداث مشارب واتجاهات وتيارات منتجة داخل الرأي العام، تكون بديلا لحالة الانتظار والانكفاء والعزوف. وإذا كان للظاهرة أسبابها المباشرة وغير المباشرة، والمرتبطة بمسار الحياة السياسية التي تتراوح بين الإقدام والعودة إلى الوراء، فإن فرصة تنظيم انتخابات البلديات وما يتفرع عنها في تركيبة مجلس المستشارين ونظام الجهات، يجب أن تكون حافزا أمام إدماج مكونات المجتمع المدني في تدبير الشأن العام، ليس من خلال تقديم الاقتراحات فقط، ولكن من خلال المشاركة المباشرة.
قانونيا وسياسيا لا شيء يحول دون مشاركة نخب المجتمع المدني في الاستحقاقات الانتخابية، إما عن طريق الانتساب الحزبي والترشح على قوائم فعاليات حزبية، وإما عن طريق مبادرات فردية، شريطة عدم تكرار تجارب مفلسة ضمن ما كان يعرف بـ«المستقلين» أو «المترشحين الأحرار» الذين ما إن ينجحوا في الانتخابات حتى يصبحوا حزبا سياسيا. فهذه الظاهرة يتعين القطع معها نهائيا، من جهة للإبقاء على نقاوة الحياة السياسية، ومن جهة ثانية لعدم المساس بمكونات المشهد السياسي الذي تكون له روافد شعبية، وليس آليات بلا امتداد في أوساط الشارع.
في مناسبة الجدل الدائر حول القوانين التنظيمية ذات الصلة بالإعداد للاستحقاقات القادمة، من المفيد والإيجابي تمكين المجتمع المدني، من خلال الجمعيات الوازنة ذات المصداقية من الإسهام في تدبير الشأن المحلي. بعد مراكمة تجارب في هذا النطاق، وإذا كان يصعب على الأحزاب السياسية أن تفسح المجال أمام غيرها، فإن ذلك لا يمنعها من الانفتاح على مكونات المجتمع المدني وتشجيعه على خوض غمار التجربة، سيما وأن انتخابات البلديات لا تفرض حيازة التزكية الحزبية، لكن من دون أن يكون وراء هذا التطور أي خلفيات تحد من أفقه الإيجابي في الارتقاء إلى متطلبات الديمقراطية التشاركية.
عند استقراء نسب المشاركة الشعبية في الاستحقاقات الأخيرة، يتبين بجلاء أن هناك قطاعا كبيرا أحجم عن الانخراط في العملية السياسية، وإذا كانت أسباب ذلك تعزى إلى عوامل عدة، من بينها ضعف التأطير الحزبي، إلا في تجارب محدودة، إضافة إلى عدم التطبيع الكامل مع الخيار الديمقراطي، باعتباره مسألة لا رجعة فيها، في غضون احترام حرية وإرادة الناخبين الذين يعكسون سيادة الأمة التي تمارس عبر الاقتراع، ومن دون استثناء الإخفاق الكبير في «تسويق» مبدأ المشاركة الذي عهد به إلى شركات تجارية بلا امتدادات ثقافية أو مرجعيات فكرية وميدانية، فإن أقرب خطة لتوسيع نطاق المشاركة تكمن في الانفتاح على مكونات المجتمع المدني.
جربت أحزاب سياسية الانفتاح على بعضها. حاول الاتحاد الاشتراكي أن يكون سباقا إلى إدماج منتسبين إلى أحزاب قريبة إلى توجهاته، وأبدى «العدالة والتنمية» نوعا من المرونة في تقبل مشاركة شخصيات غير حزبية في حكومة عبد الإله بنكيران، غير أن الانفتاح أكثر على المجتمع المدني لن ينتقص من دور الأحزاب، وقد يجعل منه شريكا يمشي على نفس السكة، عبر تطعيم نخب تدبير الشأن المحلي بنفس جديد ورؤى جديدة.
الفكرة قابلة للنقاش من زوايا عدة، فالمغرب بحاجة إلى كافة أحزابه الوطنية وفعالياته النقابية وتنظيماته المجتمعية، وفي مسألة التدبير المحلي لم يحدث ذلك الاختراق الذي ينقل تدبير شؤون البلديات والجماعات القروية إلى مصاف واعدة، نتيجة غياب النخب المترددة التي قد يدعي بعضها أن الأحزاب تغلق أبوابها، أو يزعم أن المال والأعيان يسيطران على استمالة الناخبين، لكن المرحلة تقتضي أن يتحول مفهوم الديمقراطية التشاركية إلى واقع ملموس، فالأحزاب والمجتمع المدني يكملان بعضهما وفي إمكانهما أن يعززا الخيار الديمقراطي، أقله على صعيد توسيع حجم المشاركة التي تعتبر معيارا محوريا.
من أجل إزالة المخاوف وتعبيد الطريق أمام بناء ديمقراطية تشاركية، يتعين التخلص من عقلية الإقصاء، أكانت حزبية أم إدارية، ولا يعني تجريب فكرة المجتمع المدني سوى إحياء الحماس والانخراط في سيرورة العملية السياسية.
ساحة النقاش