http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

فلاش بريس= رشيد نيني

ومن شر حاسد

ليس هناك شر بشري أقوى من الحسد. والحسد باب من أبواب الشيطان، بمجرد ما يحسد المؤمن شخصا إلا ويتسرب الشيطان إلى قلبه رغم تحصينه. ولذلك أوصى الإسلام المسلمين بأن يتمنوا ولا يحسدوا، أي تمنوا أن تكونوا مثل فلان ولا تحسدوه، لأن الحسود لا يتمنى فقط أن يكون مثل المحسود بل يتمنى زوال النعمة عنه.
والأوطان، مثل الأشخاص، محسودة على ما هي عليه من نعم، ولعل واحدة من أعظم النعم التي يمكن أن يهبها الله لأمة هي نعمة الاستقرار، بحيث يجنبها الفتن والاقتتال وسفح الدماء وهتك الأعراض وسلب الممتلكات.
ولذلك فليس من قبيل الترف الفكري أو الصدفة أن يتحدث الملك في خطابه الافتتاحي للبرلمان عن الحسد. فالمغرب محسود على مكانته التاريخية والجغرافية، ومحسود على استقراره السياسي والأمني وسط محيط مشتعل يغلي بالمؤامرات والانقلابات والفتن.
ومن سوء حظ المغرب أن الدول لا تختار جيرانها، فنحن نخضع في النهاية لدكتاتورية الجغرافيا التي تجبرك على التعايش مع جوار صعب. وغير خاف على كل متتبع حصيف أن جزءا غير يسير من مشاكلنا الداخلية والخارجية يتحمل فيه النظام الجزائري مسؤولية كبيرة.   
فالأمن الداخلي أصبح مهددا بسبب «صناعة القرقوبي» التي توجهها الآلة العسكرية الجزائرية نحو التراب المغربي، والتي تتسبب يوميا في عشرات الجرائم المروعة وتدمر النسيج الاجتماعي المغربي بشكل لا يتصور.
أما الدبلوماسية المغربية فقد أصبحت تعيش في الفترة الأخيرة حربا مفتوحة مع المخابرات الجزائرية التي أصبحت تستهدف وزراء هذه الوزارة في حياتهم الخاصة إلى درجة أن أبناءهم أصبحوا حطبا لهذه الحرب المخابراتية القذرة.
فمزوار وزير الخارجية استهدفوا ابنته، والوزيرة المنتدبة في الخارجية بوعيدة استهدفوا ابنتها الرضيعة وزوجها، ودبلوماسي مغربي بجنوب إفريقيا تعرض للطعن حتى الموت قبل ذبحه من الوريد إلى الوريد.ومباشرة بعد هذه الجريمة كتبت سفيرة الشباب المعتمدة لدى الاتحاد الإفريقي عن سفرها إلى المغرب شيئا عنونته «ثلاثة أيام من الجحيم في المغرب».
ويبدو أن كل من له علاقة بالدبلوماسية المغربية، وخصوصا قضية الصحراء، سيتعرض للتشنيع وتشويه السمعة والضرب تحت الحزام، لأن خصوم المغرب مروا إلى السرعة القصوى، ولذلك نفهم ما قاله وزير الخارجية من كون استدعاء مدير إدارة مراقبة التراب الوطني ليس سوى مقدمة لضربات مقبلة.
واليوم نرى كيف وصل تأثير اللوبي الجزائري إلى قلب القرار المصري، فأصبح رشق المغرب بالتهم الثقيلة هواية صحافيي ومذيعي النظام المفضلة، وحتى الأزهر كمؤسسة رسمية حشر نفسه في هذا اللعب التافه عندما ادعى أحد مشايخه أن أضحية المغاربة وصلاتهم باطلة لأنهم لم يعيدوا مع السعودية. أما الممثلون المصريون الذين كان مدير المركز السينمائي يكرم وفادتهم في مهرجاناته فقد أصبح غالبيتنا بنظرهم منافقين من أصول يهودية وأن إسلامنا مشكوك فيه.
وعندما نتحدث عن النظام الجزائري فإننا لا نقصد به الشعب الجزائري. فالشعب المغربي ليس له مشكل مع الشعب الجزائري، كما ليس له مشكل حتى مع النظام الجزائري. النظام الجزائري هو الذي لديه مشكلة مع المغرب. وليس مع المغرب فقط، بل له مشكل مع الشعب الجزائري أيضا.
هل يعقل أن بلدا غنيا بالبترول يحتل المركز الأول عالميا في إنتاج وتصدير الغاز، حقق أرباحا عن صادراته النفطية التي وصلت عائداتها إلى 350 مليار دولار السنة الماضية، لازال أبناؤه يركبون قوارب الموت من أجل الهجرة نحو أوربا للعمل في بلدان الآخرين هربا من الفقر والبطالة في بلادهم.
لذلك لا يسعنا سوى أن نتضامن مع هذا الشعب الشقيق في محنته، متمنين له أن يتمكن من تقرير مصيره بنفسه وأن يفك القيد الذي ضربه حول يديه جنرالات الجيش الذين يخنقون أنفاسه ويجثمون على صدره ويحاولون تصوير المغرب أمامه بمثابة العائق الوحيد أمام تقدم الجزائر ورخائها وسعادتها.
الشعبان المغربي والجزائري يتكلمان لغة مشتركة، ويجمعهما مطبخ مشترك، ويضحكان بسبب نفس النكت. لقد عشت في إسبانيا مع أخوين جزائريين قرابة عام كامل في بيت واحد، نؤدي مصروف البيت بشكل مشترك ونعد الطعام بالدور ونتقاسم الهموم نفسها والأحلام نفسها والمخاوف نفسها.
ولاحظت أننا نتشابه، إلى حد التطابق، مع الجزائريين. مع بعض الاختلافات في المزاج الخاص بكل شعب.
وطيلة معايشتي للأخوين الجزائريين، اكتشفت مدى افتتانهما بالمغرب الذي زاراه ذات يوم. كنت أرى عيونهما تلمع عندما يتحدثان عن جبال الخضر والفواكه التي كانا يشاهدانها في الأسواق، واللحوم المعروضة في دكاكين الجزارين في الأحياء. كانا لا يتوقفان عن وصف المغرب بكونه «بلاد الخير». كانا يريدان اقتناء كل شيء تقع عليه أعينهما، خصوصا سراويل «الدجين» التي بمجرد ما يصل الجزائري إلى المغرب، يشتري منها احتياطيا كاملا يكفيه لعشر سنوات، فالشعب الجزائري شعب «لباس» يحب «الشيكي» كثيرا، بحيث يستطيع الجزائري أن يصرف كل ما لديه في جيبه على مظهره حتى ولو اضطر إلى البقاء ببطن فارغة.
هذا الشعب، الذي تجمعنا به روابط الدين واللغة والهوية والكثير من العادات والتقاليد، يستحق فعلا رئيسا أفضل من رئيسه الحالي الذي يسير البلاد فوق مقعد متحرك وفق الخطة التي وضعها جنرالات العسكر. هؤلاء الجنرالات الذين يعانون من عقدة مزمنة اسمها المغرب، ويفعلون كل شيء لكي تظل الحدود مغلقة بين الجزائر والمغرب. فهم يعرفون أن الحدود إذا فتحت فإن ملايين الجزائريين سيفدون إلى المغرب لصلة الرحم مع عائلاتهم التي فرق بينها الجنرالات عندما طردوا المغاربة المتزوجين في الجزائر حتى دون أن يتركوا لهم الوقت لجمع حقائبهم. وهاهم يصنعون اليوم الشيء ذاته ضد عمال وحرفيين مغاربة اشتغلوا لسنوات طويلة في الجزائر، فيجبرونهم على العودة من المطار.
العسكر الجزائريون لا يخشون فقط من أن يتوافد الجزائريون على المغرب لصلة الرحم والسياحة، وإنما يخشون أكثر من توافد الجالية الجزائرية المقيمة في أوربا إلى المغرب للاستثمار والاستقرار أو لقضاء العطلة الصيفية. ومنذ أن تسلم بوتفليقة السلطة غادر  840 ألف جزائري بلادهم، بينهم 20 ألفا اختاروا الاستقرار في المغرب
ورغم أن الرئيس بوتفليقة مغربي المولد وجدي الهوى، درس في مدارس الشرق المغربي وكان حبه الأول في المستشفى العمومي بوجدة، حيث كانت تشتغل الممرضة التي كان يتردد على زيارتها بين حين وآخر، فإنه يحمل حقدا عميقا تجاه المغرب. وليس وحده، بل كل الجنرالات الذين سجلوا الثورة الجزائرية بأسمائهم وحولوها إلى رسم عقاري يجمعون به المناصب والعمولات التي يتقاضونها على صفقات السلاح الباهظ الذي يشترونه يوميا تحت ذريعة الاستعداد للعدو المغربي.
وقد تجلى هذا الكره المقيت الذي يستوطن قلوب جنرالات الجزائر عندما تورطوا في تصفية الرئيس محمد بوضياف الذي أقنعوه بمغادرة مصنع الآجر الذي يملكه في القنيطرة لكي ينتقل إلى قصر المرادية ليحكم الجزائريين، فانتهى مضرجا بدمائه فوق المنصة التي كان يلقي منها خطابه.
والرسالة كانت واضحة، فكل من يأتي من المغرب يجب تنحيته، حتى ولو كان رئيسا.
كراهية الجنرالات الجزائريين للمغرب ليست وليدة اليوم، بل نشأت مع استقلال المغرب، وتجلت بوضوح في خلق جبهة البوليساريو وإمدادها بالسلاح والمال.
لنقلها صراحة لكي يسمعها المغاربة وأشقاؤهم الجزائريون، جنرالات الجزائر لا يهمهم لا «البوليساريو» ولا «تقرير المصير» ولا «الشعب الصحراوي»، ولا حتى الشعب الجزائري. كل ما يهمهم هو استمرار هذه الشوكة في خصر المغرب لوقت أطول. فهي وسيلتهم الوحيدة للاغتناء السريع.
ومادام النزاع حيا، فإن أرصدة هؤلاء الجنرالات في البنوك السويسرية ستزداد انتفاخا بفضل عمولات صفقات الأسلحة الباهظة التي يصرفون عائدات النفط والغاز على اقتنائها عوض صرفها على تنمية الجزائر وخلق فرص الشغل للشباب العاطل الذي يركب، من شواطئ وهران، قوارب الهجرة السرية.
وهنا أيضا يكمن سر تلكؤ القوى العظمى في وضع حل لقضية الصحراء في إطار السيادة المغربية. ففتيل النزاع، حسب هذه القوى، يجب أن يظل قابلا للاشتعال في أية لحظة، وبالتالي هناك صفقات أسلحة يجب أن تبرم ومليارات الدولارات التي يجب أن تصرف على هذه الصفقات. وبما أن جنرالات الجزائر لديهم آلة لصنع الدولار اسمها شركة «سوناطراك» للصناعات النفطية، فإن أحسن طريقة لتصريف هذه الدولارات والاستفادة من عمولاتها هي إنفاقها في شراء الأسلحة المتطورة. وإذا حلت قضية الصحراء فهذا يعني أن الدجاجة التي تبيض ذهبا ستموت، ولن يكون هناك مخدر آخر يمكن إعطاؤه للشعب الجزائري من أجل سرقة أموال نفطه وغازه.
كما أن حل قضية الصحراء سيكون، بالنسبة إلى شركات صنع الأسلحة العالمية التي تبيع منتجاتها للجيش الجزائري، إنذارا بفقدان سوق مهمة ستكلف عائداتها السنوية خسارة فادحة. وهذه الشركات لديها مستشارون في مجلس الشيوخ يدافعون عن مصالحها عبر العالم. فالمستشارون الأمريكيون في مجلس الشيوخ مسموح لهم بأن يقبلوا تمويلات لحملاتهم الانتخابية من الشركات، وعندما تمول شركة كبرى حملة انتخابية لسيناتور أمريكي ويصل إلى مجلس الشيوخ، فإنه يصبح مطالبا بالدفاع عن مصالح الشركة التي تكفلت بتسديد مصاريف انتخابه.
هكذا هي السياسة في أمريكا، المصالح ثم المصالح ولا شيء غير المصالح.
لذلك على الشعبين المغربي والجزائري أن يبحثا معا عن مصلحتهما المشتركة، وأن يفهم الأشقاء في الجزائر أن المغاربة يفرحون لسرائهم ويحزنون لضرائهم، ويتمنون لهم قادة يليقون بتاريخ الجزائر العريق ونخوة أبنائه. لا قادة يضعون كل ثروات بلدهم رهن إشارة تجار السلاح تحسبا لحرب وهمية مع المغرب لا توجد إلا في مخيلتهم المريضة بآفة اسمها الحسد الأعمى.

 

المصدر: فلاش بريس= رشيد نيني
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 33 مشاهدة
نشرت فى 16 أكتوبر 2014 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

281,806