فلاش بريس= رشيد نيني
صداع الراس
انشغل الرأي العام والإعلام بنتائج الدراسة العلمية التي تقول إن نصف المغاربة عاجزون جنسيا، ومثل هذه الدراسات، التي «ترعاها» مختبرات صناعة الأدوية، يكون الهدف منها التشجيع على استعمال العقاقير المقوية جنسيا، وإن كانت نتائج هذه الدراسات تعرض مجانا في الصحف والمواقع الإلكترونية، فإن علب أقراص الأدوية المقوية جنسيا تباع بدقة للنيف في الصيدليات.
ولسبب غريب فقد غطى شيوع خبر هذه الدراسة على خبر آخر لم ينتبه إليه الجميع والمتعلق باختفاء أقراص منع الحمل من الصيدليات منذ شهرين.فهل يتعلق الأمر بنفاد مخزون الصيدليات أم أن الأمر يتعلق بمشكل في التموين والإنتاج لدى المختبرات، أم بحرب غير معلنة ضد وزير الصحة حتى تكثر حالات الحمل وتلد النساء أمام المستشفيات بشكل متزايد لإحراجه وتقديم رأسه المشوي بفعل لهيب الاحتجاجات على طبق للرأي العام الهائج؟
لنترك «حبة البركة» الزرقاء التي ينتجها مختبر «فايزر» ويبيعها للمغاربة العاجزين جنسيا، ولنترك «كينة لهلال» جانبا، ولنتحدث قليلا حول إشكالية وجود سوق موازية لنوعين من الأدوية أسبرو وكلارادول يصنعهما مختبر «بايير»، أو بالأحرى سوق سوداء تحرم الخزينة من عائدات فوترة هذين المنتجين، مما يفوت على مصلحة الضرائب مبالغ خيالية. هذه السوق التي لا علم لوزير الصحة بها تتحكم فيها، من جهة، لوبيات من الباعة بالجملة الموزعين للأدوية في الدار البيضاء، ومن جهة أخرى، بعض أصحاب الصيدليات ومسؤول بالمنطقة المركزية لدى مختبر «بايير صحة الأسرة».
وتعود وقائع هذه القصة إلى يونيو 2007 حينما اكتشفت الشرطة مخزونا منتهي الصلاحية من «كلارادول 500» و «أسبرو» لدى بعض البقالة، وهما العقاران اللذان يدمن المغاربة على استهلاكهما بسبب «صداع الراس».
وبعد التحري ثبت تورط صيادلة بعينهم في الدار البيضاء ومكناس وأطر في «بايير صحة الأسرة»، مما ترتب عنه رحيل المدير التجاري والمسؤول عن الفواتير والمدير العام.
مرت اليوم حوالي ثماني سنوات على القضية ونلاحظ أنها نحت منحى خطيرا تمثل في ميلاد لوبيات جديدة تتكون من باعة بالجملة وصيادلة تستقر بالدار البيضاء وسلا تتحكم بهذه السوق وتغتني بالمتاجرة في حاجة المواطنين المغاربة وفقرهم.
مبدئيا يبقى بيع هذه الأدوية حصرا على الصيادلة، مما يدعو إلى التساؤل بخصوص وجود علب «كلارادول 500» و «أسبرو» في درب عمر بالدار البيضاء، وباب فتوح في فاس، وفي مكناس وسلا، دون الحديث عن سوق جنوب المغرب وموريتانيا، علما أن «حمض أسيتيل الساليسيليك» الذي يدخل في تركيبة صناعة العقارين، له تأثيرات ضارة على الأشخاص الذين يعانون مشاكل على مستوى المعدة، دون أن ننسى أن جرعة زائدة من «باراسيتامول» قد تتسبب في نزيف في الكبد، مثلما حدث مع لاعب نادي الرجاء زكرياء الزروالي رحمه الله، هذا دون ذكر قيام بعضهم بخلطه بالكوكايين لتحقيق نشوة وأكبر.
السؤال المطروح هنا هو هل للصيادلة الحق في بيع أصحاب دكاكين البقالة « كلارادول 500» و«أسبرو»؟
وهل لهؤلاء أيضا الحق في تسويق هذين الدواءين؟
وأي دور لوزارة الصحة والمهنيين العاملين بقطاع الصيدلة؟
وماذا عن مسؤول جهوي لـ»بايير» يدفع تجار الجملة لتمرير صفقات مع «بايير» وإقناع الصيدلي المعني بطلب كميات كبيرة؟
وما هو دور مديرية الضرائب التي يفوت عليها هذا القطاع عائدات ضريبية كبيرة؟
ولكي يدرك الجميع حجم هذه «التجارة» نسوق على سبيل المثال مثالا لصيدلي في مدينة سلا تمكن خلال الفترة الممتدة من 01/03/2012 إلى 15/03/2013 من تحقيق أرباح بلغت 1.314.000 درهم من بيع « أسبرو » و« كلارادول 500»، وبعملية حسابية بسيطة جدا نكتشف أن: ثمن « أسبرو » يبلغ في السوق 17 درهما، وإذا ما قمنا بخصم حصة تجار الجملة البالغة 30 في المائة، يصبح الثمن هو 11.9 درهما، نضيف إليها الخصم المستحق لـ»بايير» والبالغ 16 في المائة في المتوسط ليصبح الثمن 10 دراهم. من جهته، يبيع الصيدلي « أسبرو » و« كلارادول 500» بـ13 درهما ويربح ثلاثة دراهم عن كل علبة. وإذا ما استحضرنا أن صاحبنا باع خلال هذه الفترة 438000 علبة وضربها في ثلاثة دراهم، تصبح قيمة الأرباح 1.314.000 درهم.
هل يمكن أن يمارس هذا الصيدلي نشاطه الذي يدر عليه كل هذه الأرباح لو لم يكن محميا من طرف جهات في وزارة الصحة ووزارة المالية وفيدرالية الصيادلة؟
وأمام هذا كله، يظل السؤال المهم هو كيف تتشكل هذه الدائرة؟
الواقع أن هناك شبكة كبيرة تمتد لتشمل أصحاب محلات البقالة أو حتى «مول الطابلة».
يقوم مختبر «بايير» بإمداد تجار الجملة بالأدوية، هؤلاء يبيعونها للصيادلة بطريقة مزدوجة وقانونية بخصم 30 في المائة المنصوص عليها في القانون، وخصم 10 في المائة المصرح بها، إضافة إلى 6 في المائة غير المصرح به في شكل أموال نقدا أو خصومات غير مصرح بها على أدوية أخرى.
بعد ذلك يتلقى الصيدلي الأدوية في صيدليته من طرف تاجر الجملة الناقل بشكل قانوني، أو أن العملية تتم مباشرة لدى المشتري بالجملة، تفاديا للأنظار.
ثم يقوم المشتري بالجملة بإعادة بيع « أسبرو » لكبار باعة التقسيط الذين يستعملون بدورهم شاحنات في ملكيتهم بسائق يتقاضى 500 درهم في اليوم، شريطة أن يبيع بنفسه العلب التي في حوزته، وقد يستعينون أيضا بسائقي دراجات نارية للتوجه إلى القرى أو حتى في المدن.
إضافة إلى ما سبق، تضع «بايير» لكل مندوب أهدافا لا يمكن تحقيقها، وفي حال تعذر عليه بلوغها قد يفقد منصبه. هذا الأمر يدفع كل مندوب إلى خلق سوق مواز تغيب فيه الفواتير. إليكم مثال: يقنع المندوب الصيدلي بطلب كمية كبيرة بنسبة 24 في المائة يتكلف المندوب نفسه بترويجها لدى صيادلة آخرين بخصومات أقل من 10 في المائة على سبيل المثال، وبهذه الطريقة يستفيد الشريكان معا، حيث يكسب الصيدلي 14 في المائة في فترة وجيزة ويحقق المندوب هدفه، أما الخاسر فهي مديرية الضرائب والمواطنون.
وبالنسبة إلى المدن التي تتم فيها هذه العملية فهي طنجة وتطوان والقنيطرة وسلا والدار البيضاء وأكادير وفاس والناظور وتطوان ومراكش. غير أن الإشكال في كل هذا يتمثل في عدم قدرة المندوب على تقديم أية شكاية، لأنه، من جهة، مجبر على لعب اللعبة وإلا سيخسر مكانه لتوقف مصيره على رقم المعاملات الواجب تسجيله بكل الوسائل، ولأنه لا يتمتع بأي حماية من طرف الدولة لغياب إطار قانوني ينظم مهنة المندوب بالمغرب، من جهة أخرى.
تبقى مسؤولية وزارة الصحة ممثلة في وزيرها ثابتة، فهل سيقوم بفتح تحقيق لمعرفة خيوط هذه التجارة المدرة للدخل، أم أنه سيعتذر بسبب خوفه من تهديده بالقتل وتهديد ابنته بالاغتصاب؟
وعلى فكرة، أين وصلت الأبحاث التي أمر بها وزير العدل بخصوص شكاية وزير الصحة ضد الجهات التي هددته بالتصفية الجسدية؟
ساحة النقاش