المساء = يوسف بلال
أمريكا.. الحرب ضد «داعش» وإخفاقات النظام الدولي الحالي
العدد :2479 - 16/09/2014
تطرح الحرب، التي تستعد الولايات المتحدة الأمريكية لأنْ تخوضها مع حلفائها العرب والتي تستهدف «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروفة اختصارا بـ«داعش»، العديد من التساؤلات حول جدوى السياسة الأمريكية الحالية في الشرق الأوسط. أكيد أن داعش تشكل خطرا، أولا على المسلمين والعرب وعلى ما تبقى من استقرار في المنطقة، إلا أن «الدواء» قد يكون في هذه الحالة أسوأ من الداء، بالخصوص إذا تذكرنا أن الدولة الأمريكية شنت حربين فاشلتين في أفغانستان وفي العراق، بل الأفغانيون والعراقيون هم الذين يدفعون الآن ثمنا غاليا للقرارات الأمريكية.
وظهور «الدولة الإسلامية» في العراق هو من نتائج الحرب ذاتها التي خاضتها أمريكا ضد نظام صدام حسين سنة 2003، وقرار الاعتماد على الطوائف في توزيع السلطة بدعم أمريكي قوي للتنظيمات السياسية الشيعية على حساب السـُّنيين الذين تم تهميشهم في تسيير الدولة العراقية وفي تقسيم الثروات.
وهذه الحرب تسمح من جديد للدولة الأمريكية بأن تتهرب من مسؤولياتها ومن أي نوع من المحاسبة في الحروب السابقة وجرائم الحرب التي ارتكبت، بما فيها قتل المدنيين وتعذيب السجناء، بل تسمح للمسؤولين الأولين عن الحروب السابقة، مثل الرئيس الأمريكي جورج بوش ونائبه ديك شيني ووزير الدفاع دونالد رامسيفلد، بأن يفلتوا من المحاكمة ومن العقاب. والمفارقة اليوم هي أن الرئيس باراك أوباما، الذي كان رافضا للحرب الأمريكية على العراق سنة 2003 عندما كان منتخبا بولاية إلينوي، هو الذي يأخذ الآن قرار الحرب على «داعش» في محيط جهوي مضطرب جدا، ويثير هذا القرار من جديد نقاشا حادا حول شرعيته، حيث يعتبر البيت الأبيض أن الرئيس أوباما لا يحتاج إلى تصويت من الكونغرس ولا إلى إذن من منظمة الأمم المتحدة يسمح له بشن حرب ضد داعش. وهذا الاستهتار بالقانون الدولي لن يساهم في الحفاظ على حد أدنى من الشرعية الدولية في نظام دولي لازال خاضعا للحرب وعنف الفاعل القوى.
ويبدو أن الغرب لم يستخلص العبرة من تاريخه ونسي أن ظهور الحركات النازية والفاشية في أوربا واندلاع الحرب العالمية الثانية كان نتيجة نظام دولي غير عادل، أغرق ألمانيا في الديون وفي الأزمة الاقتصادية والمالية بعد أن أجبرت على أن تؤدي مبالغ مالية خيالية لصالح فرنسا وحلفائها إثر انهزامها في الحرب العالمية الأولى؛ فالشعور بالإهانة هو الذي دفع العديد من الألمان إلى دعم قوة سياسية كانت تدعي أنها سوف تسترجع من خلال الحرب ضد أعدائها الأوربيين كرامة ألمانيا المفقودة.
وعوض أن تبذر أموالا طائلة آتية من بلدان الخليج في حرب ستدوم ثلاث سنوات أو أكثر، حسب تقديرات وزارة الدفاع الأمريكية نفسها، والتي ستدفع فيها الشعوب المسلمة والعربية الثمن الأبهظ، كان من الأفضل أن توجه أمريكا المجهودات الحالية إلى مراجعة سياستها بالشرق الأوسط، بما فيها موقفها من القضية الفلسطينية، وإلى إصلاح النظام الدولي السياسي والاقتصادي. وفي ظل غياب آليات سياسية ومؤسساتية وقانونية تضمن حدا أدنى من العدالة الدولية تحوِّل وضعا عالميا تسوده القوة إلى وضع يسوده القانون ويحاسب فيه كل من هو مسؤول عن جرائم دولية بدون استثناء، بمن فيهم عسكريون وسياسيون أوربيون وأمريكيون وإسرائيليون، سوف تظهر بشكل مستمر قوى غير ديمقراطية تستغل ثغرات النظام الدولي الحالي.. لن تنجح في القضاء عليها أية حرب.
ساحة النقاش