فلاش بريس = إقبال إلهامي
ريش النعام
كان الله في عون المواطنين الذين سيتوجهون لصناديق الاقتراع للاختيار بين مرشحي الحكومة والمعارضة في الانتخابات المقبلة البلدية أو التشريعية. والواقع أن لا حال الحكومة يسر ولا حال المعارضة يفرح. فقد باتت الاثنتان تتنافسان فقط على الاستظلال باسم الملك. وهكذا لم يجد وزير السكنى نبيل بن عبد الله من رد لمواجهة اتهامات المعارضة بتردد الحكومة في إقرار القوانين الانتخابية غير القول إن هذه الحكومة هي حكومة صاحب الجلالة، وأنها مثل الحكومات السابقة حكومات صاحب الجلالة، مضيفا أن الحكومات اللاحقة ستكون بدورها حكومات صاحب الجلالة. وهو ما رد عليه الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر بالقول «أننا نحن أيضا معارضة ديال صاحب الجلالة».
ولا يعرف إن كان كل من بن عبد الله ولشكر يدركان أن دورهما ليس هو التماهي على شاشة التلفزة بمن يمثل رئيس الدولة، فالدستور استبق مثل هذه النقاشات وحدد للحكومة كما للمعارضة أدوارها، وهي الأدوار التي تهدف في المقام الأول إلى ترجمة انشغالات المواطنين والدفاع عنها حتى لو أدى الأمر إلى تقديم الاستقالة في حالة المسؤولين الحكوميين. لكن حتى التهديد بالاستقالة لم نعد نسمعه، بعدما كان التلويح به جزءا من الحملة الانتخابية، خصوصا بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الذي كان يعيش ربيعه السياسي بعدما فتح له الربيع العربي الباب أمام الحكم عوضا عن الطريق الشائك بلا نهاية للمعارضة التي أقفلت عليه كل منافذ الحوار مع السلطة.
وهكذا لم يترك أي وزير «حقه» في التلويح بالاستقالة عند البدايات الأولى للحكومة. حيث كانت شعارات محاربة الفساد والاستبداد تملأ الدنيا صخبا. لكن يبدو أن جلد الوزراء «قصاح» ولم تعد تؤثر فيه لا تماسيح ولا عفاريت بحيث لم نعد نسمع أحدا يهدد أو يلوح حتى، بل إن الوزراء المهددين سابقا بالاستقالة تبرؤوا من ذلك التهديد معتبرين أن الصحافة تشوش عليهم.
والواقع أن الصحافة لا تشوش بقدر ما تنقل ما يحدث، وليست هي من تغير ولكن الوزراء هم الذين انتقلوا من منزلة إلى أخرى، بعدما ذاقوا طعم الحياة المخملية والتنقل عبر عواصم العالم والإقامة في أفخم الفنادق، حتى أن الحكومة استحلت السفر وأصبحت تفضل الاجتماع في منتجعات باهظة الكلفة عوض استغلال مقرات الحكومة ومنها إقامة رئيسها في الرباط وهي إقامة فاخرة أكثر بكثير من فندق ميشليفن الذي نظمت فيه الحكومة خلوتها في الويكاند الأخير.
واللافت أن رئيس الحكومة قام بحجز الفندق بأكمله، رغم أن سعته تتعدى الوزراء التسعة والثلاثين، لتبقى الغرف الثلاثين الأخرى فارغة لكنها محجوزة. وفي ذلك خسارة للفندق وأيضا لمكتب السكك الحديدية الذي يملكه، وهو ما يعني أن الدولة خسرت مرتين.
وما أن انكشف أمر الكلفة العالية لإقامة الوزراء حتى أصدرت الحكومة بلاغين للتوضيح، الأول ربط بين اجتماع إيفران وترجمة الخطابين الملكيين لعيد العرش وثورة الملك والشعب، وهو ربط غير موفق لأن قراءته لن تبتعد عن منطق الاستظلال بالملك، تماما كما فعل بن عبد الله ولشكر. أما البلاغ الثاني الصادر بعد اجتماع الحكومة المنعقد أربعة أيام بعد سفر إيفران، فقد هنأ فيه بنكيران الوزراء على نتائج خلوتهم، خصوصا في مجال التشغيل وقانون المالية والانتخابات والجهوية المتقدمة.
لكن عكس التهنئة الحكومية، أعلن وزير التعليم العالي لحسن الداودي خبرا حزينا مفاده أن التوظيف انتهى بعدما ربطه بتحقيق المغرب لنسبة نمو تزيد عن سبعة في المائة، أما قانون المالية فيحمل قرارات تقشفية جديدة لا تبشر بخير سيما ما تعلق بالرفع من سن التقاعد ورفع الدعم عن المحروقات. وبالنسبة للانتخابات اكتشفنا جعجعة بدون طحين، إذ صدق حصاد في وعوده ونكث بنكيران تعهداته التي ارتبطت بتهديدات حزبه. أما الجهوية فجاءت دون الطموحات. هذه هي الحصيلة. يبقى المؤكد أن الوزراء قضوا ليالي رائعة في فندق ميشلفين، حيث الأسرة محشوة بالريش الناعم الذي يطرد الأرق ويجلب الأحلام السعيدة التي جعلت بنكيران يهنئ وزراءه عملا بالمثل الدارج «شكون شكرك ألعروس ... أو في رواية أخرى «شكار راسو داز من هنا»
ساحة النقاش