المساء = جمال بدومة
راية سوداء
العدد :2481 - 18/09/2014
كما كان غيفارا يسحر الشباب في أدغال بوليفيا بلحيته الخفيفة ونظرته الثاقبة، هاهو أبو بكر البغدادي يجذب المراهقين إلى العراق وسوريا، بلحيته الكثة وساعته الثمينة، كي يلتحقوا بـ«الأممية الجهادية» ويحجزوا تذاكرهم إلى الجنة. لقد أصبح العالم يمشي على رأسه: كانت الراية حمراء وحاملو السلاح يفتشون عن الحياة، اليوم أصبحت البيارق سوداء والمقاتلون يفتشون عن الموت... كي يلتقوا بالحور اللاتي حرموا منهن على الأرض، لأسباب اقتصادية في غالب الأحيان. لعن الله الكبت والفقر وجورج بوش !
لا بد أن يفهم الجميع أن «داعش» ليست مجرد مزحة أو راية سوداء مكتوب عليها «لا إله إلا الله»، وأن التهديدات التي يطلقها شباب مغربي مدجج بالسكاكين والكلاشينكوفات على اليوتوب والقنوات الفضائية، ليست مجرد نكات، وعلى الجميع أن يأخذها على محمل الجد كي لا ندفع الفاتورة غالية في الأيام المقبلة.صحيح أن سوريا والعراق بعيدتان عن المغرب،لكن الخطر الإرهابي لا يقاس بالجغرافيا والكل يعرف ذلك، لو لم يذهب مغاربة للقتال في أفغانستان خلال الثمانينيات والتسعينيات لما انفجرت الدار البيضاء عام 2003 ومراكش عام 2011. «من خاف نجا». إذا كان وزير الداخلية محمد حصاد أحصى 1122 مقاتلا مغربيا في سوريا والعراق، فإن بعض المصادر الغربية، وعلى رأسها معهد أمريكي، تتحدث عن أكثر من ثمانية آلاف «مجاهد» مغربي في المنطقة، بعضهم يحتل مواقع قيادية في صفوف التنظيم الإرهابي الذي سيطر على مناطق شاسعة من العراق والشام، وسرق النجومية من «القاعدة» بعد أن رجع بعيدا جدا إلى الوراء وأعلن «بعث الخلافة الإسلامية» في بلاد الرافدين، مع خريطة افتراضية لـ«الدولة الداعشية»... يشكل المغرب أكبر ولاياتها! وكلها معطيات تؤكد أننا لسنا بمنأى عن حسابات هؤلاء البرابرة الذين يريدون إعادة العالم إلى عهوده المظلمة.
صحيح أن المغرب لم يتلق أي دعوة إلى المشاركة في لقاء جدة الذي جمع الولايات المتحدة وتركيا وعشر دول عربية لتشكيل تحالف ضد«داعش»ولم يشارك في مؤتمر باريس حول الموضوع ذاته، لكن ذلك لا يعني أن بلادنا غير معرضة لخطر «داعش»، بقدرما يكشف عن ضعف الدبلوماسية المغربية،وتلك قصة أخرى.الخطر حقيقي ومحاربة الفقر والتهميش أحد المفاتيح الأساسية لتجفيف منابع الإرهاب، وعلى المغرب أن يعول على نفسه في إبطال مفعول هذه القنبلة الموقوتة، لأن الغرب وحلفاءه الخليجيين يتصرفون كأنهم استيقظوا فجأة واكتشفوا «داعش»، رغم أنهم ساهموا في تأسيس التنظيم ومدوه بالسلاح والرجال. دول الخليج هي التي خلقت«الوحش»،بتواطؤ أمريكي، ومطلوب منها اليوم أن تقتله، أو تتكفل بمصاريف القتل على الأقل. لعبة تتجدد، كأنها آلهة الأولمب في أثينا تلعب بمصائر الشعوب من أجل التسلية:يصنعون وحوشا،يتركونها تعيث فسادا في المنطقة،ثم يلجؤون إلى قتلها في النهاية، بعد أن تستنفد مهمتها... كل الطغاة والديكتاتوريين الذين هيمنوا على العالم في العقود الأخيرة صنعهم الغرب ودعمهم، قبل أن يلجأ بنفسه إلى إسقاطهم، عندما انتهت مهماتهم وصاروا مزعجين. وهاهم يشرعون في تدمير «داعش» كما دمروا طالبان، ولا بأس إن قتل عشرات الآلاف من المدنيين، لأنهم مجرد «خسارة جانبية» في عرف العالم المتحضر!
لقد عادت البربرية إلى العالم من أبوابها الواسعة. الحقيقة أنها لم تختف قط، ما الفرق بين قطع رأس أو تدمير حيٍّ على من فيه بالضغط على زر صغير؟ وإلى وقت قريب، كانت الرؤوس تعلق على أبواب المدن علامة على الانتصار وإرهابا للعدو، ويمكنك أن تشاهد على مداخل المدن الإسبانية تماثيل جنود مسيحيين يمسكون برؤوس مقطوعة، كتذكار حجري للحروب التي انتهت بطرد المسلمين من الأندلس.
السكاكين والقنابل والدبابات ترجمة تقنية لأكثر المناطق سوادا في الكائن البشري. تتنوع الأساليب والقتل واحد: نزعة متأصلة في بني آدم منذ أن هشم قابيل رأس هابيل بحجر ضخم. ولعل أشرس المعارك هي تلك التي يخوضها الإنسان كل يوم كي ينتصر على حيوانيته، حين ينهزم تكون الحروب.
ساحة النقاش