كعكة الكتاب المدرسي (2/1)
مع مطلع شتنبر كل سنة تعيش الأسر المغربية جحيما حقيقيا بسبب ترتيبات الدخول المدرسي، والذي يفرض عليها مصاريف مضاعفة، تضطر معه الأسر إلى اللجوء نحو القروض وبيع الممتلكات. فإذا كان الدخول المدرسي بالنسبة لأعضاء الحكومة هو «صوروني كنزور» المؤسسات التعليمية، فإن هذه المناسبة بالنسبة لثمانية ملايين أسرة مغربية تعني التفكير في المصاريف الإضافية التي يتوجب عليها دفعها، سواء كمصاريف للتسجيل أو كمصاريف لاقتناء الكتب واللوازم المدرسية.
ولعل ما يزيد في دخول هذه السنة التهابا، هو تزامنه مع قرب موعد عيد الأضحى ونهاية العطلة الصيفية، مع كل التكاليف التي تكبدها للأسر المغربية.
«بنادم ما حيلتو يخلص الكريدي ديال العطلة اللي دوز، ما حيلتو يخلص الكريدي ديال الحولي ديال العيد اللي فات، ما حيلتو للحولي اللي جاي غادي ينطحو».
ولأن الوزارة لا تتدخل في نوعية اللوازم من دفاتر وأقلام وأدوات، فإن سوق «اللوازم المدرسية» مفتوحة وحرة بشكل فوضوي، إذ يمكن أن نجد محفظات دراسية صينية الصنع بثمن 15 درهما يبيعها تجار في الشارع العام، في حين نجد محفظات دراسية أخرى باهظة الثمن تصل إلى 500 درهم في المحلات الكبرى، لكونها مستوردة وأنتجتها شركات عالمية، ونفس الشيء بالنسبة للمقلمات والدفاتر وغيرها.
لكن المشكل الأكبر تطرحه أساسا الكتب المدرسية، والتي يفترض أن تبقى وزارة التعليم، وصية على تأليفها، انسجاما مع التوجهات الكبرى للدولة في القطاع، وخاصة مراقبة احترام البرامج والمناهج، وكذا مراقبة طبعها وتوزيعها ومراقبة جودة الورق والخط والألوان وغيرها من الخصائص التي تحددها دفاتر تحملات بدقة؟
الذي يحصل مع الأسف هو لعب كبير تتواطأ فيه وزارة التربية الوطنية مع بعض أصحاب المطابع وبعض أصحاب حقوق التأليف لامتصاص دماء البسطاء من المغاربة، وإليكم الأدلة بالأرقام.
فكما هو معلوم تبلغ سنوات التعليم الإلزامي بالمغرب 15 سنة، أي أن كل أسرة ملزمة بتدريس أبنائها تسع سنوات، تتوزع بين التعليمين الابتدائي والإعدادي، في حين يبقى التعليم الثانوي، كما ينص على ذلك الميثاق الوطني للتربية والتكوين، خاصا بالمتميزين فقط. فعندما نجد أن ما يسمى الخريطة المدرسية هي التي تقرر نسبة التلاميذ الناجحين في التعليم الإعدادي وليس «التميز» كما يلح على ذلك الميثاق، حيث تنزل معدلات النجاح إلى ما دون 07 /20، فإن هذا يعني أن كل تلميذ «يستهلك» بلغة السوق 66 كتابا في 9 سنوات، أي إلى حدود بلوغه نهاية التعليم الإعدادي، ولأن الخريطة المدرسية كما تمت الإشارة تسمح بـ«نجاح» تلاميذ بمعدلات تصل إلى ما دون 07 /20، فإن هذا يعني، بحسب إحصاءات المجلس الأعلى للتعليم، أن حوالي 70 في المائة من التلاميذ المغاربة يصلون لمستوى الثانية للباكالوريا، أي أن المغربي «يستهلك» 93 كتابا مدرسيا منذ دخوله السنة الأولى من التعليم الأساسي، دون الحديث عما يسمى الكتب الموازية، وخاصة في التعليم الخصوصي والتعليم الثانوي، حيث تتم دراسة روايتين في اللغة الفرنسية، ليصل العدد الرسمي إلى 101 كتاب «يستهلكه» التلميذ عندما يصل إلى امتحانات الباكالوريا.
دون الحديث أيضا عن كتب للتمارين والحلول والتي تنتجها بعض المطابع بالتفاهم مع بعض الأساتذة والمفتشين، وهي كتب تلقى رواجا كبيرا في صفوف تلاميذ الامتحانات الإشهادية، أي السادسة من التعليم الأساسي، والسنة الثالثة من التعليم الإعدادي (التاسعة)، ثم السنة الأولى والثانية من سلك الباكالوريا.
وإذا عرفنا أن عدد تلامذة المغرب قد بلغ هذه السنة 6 ملايين و775 ألفا و606 تلميذة وتلميذ، وعلمنا أن كل تلميذ من هؤلاء يدرس في كتب مدرسية يتراوح عددها ما بين 8 كتب و13 كتابا في السنة الواحدة لكل تلميذ، أي أن العدد الإجمالي للكتب المدرسية التي تم بيعها وشراؤها كل السنة تبلغ 78 مليون كتاب مدرسي، والمثير هو أن المطابع تحرص على أن تحظى بـ«حظوة» إخراج نسخ جديدة وإلغاء القديمة بدعوى «تحيينها» لمنع تداولها من تلميذ إلى آخر في السنة المقبلة، وهذا يتم تحت إشراف مؤلفين حاصلين على تراخيص وزارية للأسف.
ومن عادة المغربي أن يناقش أثمنة كل شيء يشتريه، إلا عمليتين تجاريتين لا يمكنه أبدا أن يماكس فيهما، هما عندما يريد أن يقتني دواء من صيدلية أو كتابا مدرسيا من مكتبة. فالأثمنة محددة fixe، لذلك فما سنعرضه من أرقام مسنود بوثائق محصلة من مكتبات حصلوا عليها من الموزعين عندما اقتنوا سلعتهم بالجملة، وهي عبارة عن أثمنة بهامش ربح محدد، يتراوح ما بين درهم و ثلاثة دراهم، أي أن الهامش الأكبر يذهب للمطابع وليس للموزعين.
وإليكم المثال البسيط التالي، فبالنسبة للسنة الأولى من التعليم الابتدائي، يصل عدد الكتب فيه ثمانية كتب، وهذا يطرح مشكلة سبق لنا التطرق إليها، وهي مشكلة وزن المحفظة، إذ أن عددا كبيرا من الآباء يضطرون لحمل هذه المحفظات بدلا عن أبنائهم، لكونها ثقيلة، إذن ثمانية كتب مخصصة لتدريس مواد التربية الإسلامية واللغة العربية والرياضيات والنشاط العلمي والتربية التشكيلية وكراسة التعبير وكراسة الكتابة والتفسير الواضح، وتبلغ كلفة هذه الكتب مجتمعة 86 درهما.
المثير هنا، هو أنه إذا اطلعنا على محتويات كل الكتب المدرسية الخاصة بهذه السنة، أي السنة الأولى من التعليم الابتدائي، سنجد أنها كلها تستعمل للقراءة والكتابة معا دون الحاجة غالبا للاستعانة بدفاتر، وهذا يعني أن الكتاب يصبح «مستعملا» عند نهاية السنة، وبالتالي فالمطابع تضمن كل سنة «زبائن» جددا قياسا لارتفاع نسبة التلاميذ المسجلين، والذين يبلغون هذه السنة 695 ألف تلميذة وتلميذ، وهو رقم يرتفع كل سنة، بمعنى أن عدد الكتب المدرسية التي تم شراؤها هذه السنة الدراسية للتلاميذ الجدد بلغ حوالي 5 ملايين و560 ألف كتاب، أي بمبلغ إجمالي يتجاوز 59 مليون درهم، هذا للسنة الأولى فقط.
أما السنة الثانية من التعليم الابتدائي، فيصل عدد الكتب فيها هي أيضا ثمانية كتب، تباع كلها بمبلغ 93 درهما، أما باقي المستويات فهي ثمانية كتب للسنة الثالثة بمبلغ 128 درهما، نفس عدد الكتب في السنة الرابعة بمبلغ 112 درهما، وفي السنتين الخامسة والسادسة سيصبح عدد الكتب تسعة، ويرتفع الثمن إلى 150 درهما.
ساحة النقاش