نحن وطارق رمضان (2/2 )
في المغرب نجد طارق رمضان يحاضر أصحاب الشركات الكبرى بالدار البيضاء في أفخم الفنادق، ويحاضر معاهد التكوين الرفيعة، كمعهد "HEM" لصاحبه عبد العالي بنعمور رئيس مجلس المنافسة، ويقابل أبناء وبنات النخب الاقتصادية في أكبر معاهد التكوين الخاصة، مثل معهد الزراعة ومعهد الدراسات التعدينية، ليحدثهم عن «إسلام» يتناسب مع تطلعاتهم الهوياتية. وهي بنفس التقدير والموازنة نفس النتائج الباهرة التي وصل إليها «غولن» بتركيا مع البورجوازية التركية الصاعدة.
التجذيف فوق نهر المال مع أصحاب الشركات، كوسيلة للانتشار الإيديولوجي، لازمه تجذيف آخر من نوع خاص. وهو مغازلة التيارات الإسلامية المسيطرة أو تلك التي تتوفر على قواعد شبابية واسعة. فكلنا نعلم عن مغازلته للغنوشي بتونس، ومغازلته للريسوني عراب ومنظر الإصلاح والتوحيد، بحيث سيلتقي المفكر السويسري من أصل مصري طارق رمضان، بأحمد الريسوني الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، على صفحات كتاب «الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية» الذي سيصدر باللغة الفرنسية قريبا عن دار النشر «سناط»، حيث وافق طارق رمضان على كتابة تقديم للكتاب، بعد أن عرضت عليه الفكرة بمبادرة من ناشطين إسلاميين بأوروبا وناشطين إسلاميين بالعدالة والتنمية.
ومنذ 2010 وطارق رمضان كثيف الحضور لأنشطة ينظمها حزب العدالة والتنمية وشبيبته وأنشطة أخرى للجماعة الدعوية الموالية له. والملاحظ أن أهم الأنشطة التي يؤطرها حزب العدالة والتنمية، هي تلك الأنشطة التي لا تتم داخل مؤسسة الحزب وإنما يتم التحضير لها بهوية أخرى متخفية.
هذا الحزب ينفذ في العمق استراتيجية استقطابية تأطيرية لفئة حساسة من الشباب المغربي المنتمي للطبقة البورجوازية، بحيث «يستعملون» أو يستثمرون شهرة الرجل ومشروعه «الديني التقدمي»، لدغدغة مشاعر هؤلاء المهندسين والأطباء وطلبة معاهد المال وتسيير الأعمال. بتقديمهم لرجل يتكلم بفرنسية وبإنجليزية فصيحة جدا، وعليم بالفكر الغربي بشكل لافت، ووجه إعلامي دولي معروف، يجسد «الرجل المسلم المنبوذ من طرف الغرب»، وهو نفسه التجسيد الذي يعطي المصداقية الرفيعة لكل داعية إسلامي.
ليس مهما دائما أن نقوم بجرد أسماء من اتصلوا بطارق رمضان، من وظبوا له قدومه وحجزوا له غرفته بالفندق، ومن استضافته في منزلها، وكلهم للإشارة ناشطون بحزب العدالة والتنمية وحركة الإصلاح والتوحيد. لكن المثير للانتباه هو هذا المشروع «الدعوي» الكبير والصامت والمثمر الذي تقوم به العدالة والتنمية اليوم، بعدما أصبحت حزبا حاكما وفتحت لها المؤسسات، وخصوصا التعليمية، من بابها الواسع.
ففي ظرف ثلاث سنوات من تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في المغرب، زار طارق رمضان بدعوة من أقطاب الحزب المغرب أربع مرات، وهنا لا بد من الإشارة إلى الدور الفعال الذي تقوم به مريم أحرضان، مديرة مديرية المرأة السابقة في وزارة الحقاوي، الحاملة للجنسية والثقافة الفرنسية، والتي تتكفل بتنظيم زيارات طارق رمضان وتوزيع كتبه ودعوات حضور أنشطته ومحاضراته.
وربما هنا نفهم لماذا لجأت مريم أحرضان للمرة الثانية على التوالي لتقديم استقالتها من منصبها بمديرية المرأة في وزارة الحقاوي، فالمرأة الحداثية احتجت على تهميشها بسبب اختلافاتها الإيديولوجية مع السيدة الوزيرة بسيمة الحقاوي، ذات التكوين المعرب في علم النفس، وذات العقدة «النفسية» من اللغة الفرنسية. فقد كانت حقاوي هي من جلبت مريم أحرضان إلى وزارة الأسرة والتضامن منذ حوالي سنة من أجل إعطاء صورة حداثية وتقدمية لهذه الوزارة، فأجرت لها مباراة انتقائية على المقاس لولوج منصب مديرة مديرية المرأة أمام لجنة ترأسها الكاتب العام للوزارة، الذي عين بدوره تحت إشراف بسيمة الحقاوي.
لم يعد الإسلام السياسي الذي يمارسه العدالة والتنمية مقتصرا على أنماط أرثودوكسية، لأنها لم تعد تقنع الشباب وبالأخص الشباب الذي سيكون نخبة مؤثرة غدا. لقد طور الحزب اليوم هذه الخطة التي بدأت بإرسال فيالق من المتفوقين بوساطات «نورسية» إلى تركيا للتحصيل الجامعي والتحصيل الروحي أيضا، وهم الشباب أنفسهم الذين استغل رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران زيارته التمثيلية للملك في حفل تنصيب أردوغان، والتقى بهم في تركيا وتعشى معهم وأفصح في حضرتهم عن أشياء يقولها لأول مرة، كقوله إن الموقف الذي يحمله الإسلاميون تجاه مصطفى كمال أتاتورك حال بينهم وبين رؤية ما قدمه من إنجازات للجمهورية التركية، وكون المساجد في تركيا أقرب إلى المتاحف منها إلى بيوت العبادة، وأنه لا يتوقع أن تكون مكانة المسجد في تركيا بنفس المكانة التي يحظى بها في المغرب، وأن هناك اختلافات جذرية تطبع سياق التجربتين التركية والمغربية، وبناء على ذلك الاستفادة قد تكون محدودة، وأن القومية وثقافة العمل والاجتهاد السائدة في تركيا عاملان أساسيان في ما تحقق من إنجازات، وأن كريم غلاب قال له إن الحكومة يكفيها إنجازا أن تتمكن من التغلب على مشكل احتجاجات المعطلين أمام البرلمان، وأن الدولة لا يمكن أن توظف بمجرد الاحتجاج أمام البرلمان، وأنه «ماكرهتش ماتبقاش شي حاجة اسمها الوظيفة العمومية»، وأنه لا يحارب الفساد وإنما الفساد هو الذي يحاربه، وأن الذي يقود عربة الحكومة وحده من يرى الحفر والمنعرجات في الطريق، أما الراكبون فلا همَّ لهم سوى انتقاد السائق.
ولذلك، فإن حزب العدالة والتنمية يستهدف الشباب المغربي المتفوق خريجي معاهد الهندسة وإدارة المال والأعمال، من خلال تأطيرهم الروحي عبر استضافة داعية إسلامي جد عصري وشاب، ومحاولة العمل داخل الأمميات الإسلامية بأوروبا وأمريكا وآسيا، من خلال إرسال فيالق شابة للتكوين هناك والتحول لفاعلين في الاستقطاب.
ولعل مآل شكاية طارق رمضان ضد الشابة المغربية التي تتهمه في شرفه وكرامته، ستحدد نظرة المغاربة المعجبين بطارق رمضان وأفكاره، وبالتالي موقف حزب العدالة والتنمية من زياراته المتكررة للمغرب في ضيافة أبناء وبناء حركة الحزب.
ساحة النقاش